العودة الى الصفحة السابقة
الرجولة الحقة

الرجولة الحقة


قال أحد الشعراء المشهورين كلمته الرائعة: ليس رجل حق إلا المصلي. ولعل الكثير من الناس في أيامنا، يعجبون من هذا القول، لأنهم لا يصلون، ولا يعتبرون الصلاة مهمة في عصرنا المتمدن. فيستهزئون ويسخرون، قائلين: «الصلاة للعجائز والضعفاء».

قد تباحث مرة فيلسوف وأمير وتوصلا بنقاشهما إلى الدين والصلاة. قال الفيلسوف: «الصلاة والدعاء لا يليقان إلا بالنساء والأولاد. فالرجل لا يصلي، بل يقرر ويحقق». فأجابه الأمير: «إن استيقظت صباحاً وفكرت بما سيرد عليّ من مشاكل وأسئلة، في اليوم الذي ابتدأته، لا أقدر إلا أن أجثو أمام ربي، طالباً إرشاده وبركته. ومساء إن ذهبت إلى الفراش، ونظرت إلى يوم انتهى واكتشفت ما أخطأت به في يومي هذا، لا أملك إلا أن أستغفر الله». فصمت الفيلسوف. وبعد سنوات قليلة، وفيما هو على فراش الموت، كتب وصيته وفيها عيّن الأمير وصياً على تربية ابنه الوحيد.

ونحن كالأمير نعترف بفاعلية الصلاة. ونؤمن بأنها ليست باطلاً، بل فيها بناء رجولة الإنسان. والذي لا يصلي لا يكون رجلاً حقاً. ألا تظن أنه ليس من الشرف والكرامة، أن يشكر المرء ربه، على ما آتاه من فضله. ويتكلم معه عن أموره ومشاكله طالباً الإرشاد والهداية؟ فمن أين استخرج المسيح قوته؟ لقد انفرد ليالي كثيرة عن الجماهير، مصلياً للإله الحي، في السكون الصامت. فقد كانت الصلاة ينبوعاً مهماً لقوته، حتى أنه قدر أن يكمل طريق الآلام حتى الموت، وفقاً لمشيئة أبيه.

لعل مطالبة النساء بالمساواة مع الرجال مرجعها عدم احترامهن وأولادهن للرجال، لتركهم الصلاة وجهلهم معرفة الله. فالأب المصلي في عائلته، هو رب البيت الحق، الذي يجلب بركات الله على أفراد عائلته. وكثير من الخصومات العائلية سببها وباعثها تهاون الرجل بالصلاة، فتهمل المرأة والأولاد موضوع الإيمان أيضاً، ويبتدئ العصيان والتمرد والاستكبار، كل من جانبه. هل تصلي؟ هل يتكلم قلبك مع الله القدير، أو أنت فقير بالحياة الروحية.

سكير مدمن للخمر، آمن بالمسيح. وبعدما شعر بسلام الله في قلبه، قال لامرأته: «من الآن نريد أن نصلي معاً يومياً». ولما مارسا الصلاة المشتركة شهرين كاملين، قال الابن الأصغر لصديقه: «منذ أن اهتدى والدي، أصبحت الحياة عندنا جميلة. ولم يعد شريراً في معاملة والدتي، ولم يعد يضربنا أثناء غيظه كما كان يفعل، بل يلاطفنا ويؤدبنا بحنو ورأفة». وهكذا احتوت الصلاة في هذه العائلة على قدرة إلهية، غيّرت الجو المشحون كله. فنتمنى لك الرجوع إلى يسوع، لتتجدد الحياة في عائلتكم، وتعترفوا بأن الرجوع إلى المسيح وقوة الصلاة، قد غيّرت حياتكم إلى سعادة وهناء.

الإنسان بلا صلاة، شقي بائس. ولكن بواسطة الصلاة الحقة. يجد الحياة في سرور وسلام. فمتى تبدأ صلاتك المستمرة، منفرداً وبالمشاركة.

والصلاة هي سلطة إلهية، توهب للإنسان ليحرّك ذراع الله القوية. فبواسطة دعائك، تنزل قوى أبدية إلى مجتمعك وشخصك الفاني. ليتك تدرك أي سلطة وهبك الله، لتحرك قلبه بكلماتك المتواضعة، وتؤثر بإيمانك على قوة العالم الغير المنظور. لأن «طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا» (يعقوب 5: 16).

قال أحد رجال الصلاة: «الشيطان يرتجف، عندما نصلي بتواضع الإيمان. ولا يخاف شيئاً أكثر من طلبة البار، في وحدة دم المسيح». قد يستطيع الشيطان أن يطور تسلطه على عصرنا، لأن الرجال المصلين صاروا أقلية. فكم يا ترى، تتغيّر حياتنا الخاصة، وأجواء بيوتنا وتقوى المحبة في الكنائس، ويعضد شعبنا بعضه، لو صلى أكثر رجال أمتنا بأمانة ومواظبة واستمرار؟

قد اعترف أحد رجال الله الأقوياء، بقوله: «ركوعنا أقل من اللازم». ومؤمن قديس آخر صرخ عند انتهاء أجله: «لو أعطاني الله مرة أخرى الحياة، لصرفت وقتاً أكبر في الصلاة». فعلينا أن نؤيد القول أن الصلاة المستجابة هي فن، لا يقدر كل إنسان، أن يمارسها. وإن أردت أن تصلي الصلاة الفعالة، فتعلّمها قبلاً لأن الصلاة هي امتياز، من خارج طبيعة الإنسان. وإن أردت الوصول إلى قلب الله بطلبتك، فعليك أن تجد الموقف الحق المناسب تجاهه. والموقف الصحيح لاستجابة الصلاة، هو موقف البنوة. فمن الضروري أن تصبح من أولاد الله، حتى يستجيب لك الله صلاتك. لسنا أولاد الله بطبيعتنا، بل يمكننا الوصول إلى هذه المرتبة، بواسطة الولادة الثانية الروحية. وهذه تتم إن التجأت إلى المسيح، وقبلته مخلصاً شخصياً، ليحل في قلبك بروحه. وتبني حياتك، مؤمناً بفدائه الكامل. وتعترف بكل انكسار بخطاياك أمام المصلوب، وتضع كل حياتك تحت تصرفه. وعندئذ تختبر الولادة الروحية الثانية. ولا يوجد إنسان، مهما كان غرقه في النجاسات والضلالات، لا يستطيع الرجوع إلى ربه يسوع المسيح، الذي قال: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُم» (متّى 11: 28). فإن تقدمنا إليه بانحناء وندم لماضينا الفاشل المذنب، نتيقن السر الأبدي الكامن في القول: «إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا (لأن دم يسوع المسيح ابن الله) يُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْم» (1يوحنا 1: 9).

فإن أردت أن تصبح ابناً لله، فسلّم حياتك لربك، وآمن بأنه أحبك وخلصك، فتسمع قوله الإلهي: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي» (إشعياء 43: 1). وعندئذ لا تستطيع العيش بدون الصلاة، وتتكلم مع ربك عن كل أمورك ومشاكلك وأفكارك، كما تسأله العون لزملائك وأقربائك، وكل مجتمعك. وإن أردت الصلاة المستجابة، فتعمق في الإنجيل، فيجري من الأحرف المطبوعة قوة إلهية إلى قلبك، فتتحرر من طلباتك الأنانية، وتطلب أولاً ملكوت الله وبره. لأن الروح القدس يعلمك الصلاة الحقة، ويقويك في الإيمان الصحيح. تعالى إلى المسيح وتعاليمه، فتمتلئ بروحه. وتثبت ابناً لله متكلماً معه، كما يتكلم الولد مع أبيه.

أيها الأخ، إن اشتقت للصلاة المستجابة فنرسل إليك كتاب «كيف نصلي؟» مجاناً إن طلبته منا.