العودة الى الصفحة السابقة

List of Tables

1.
2.

«لِذٰلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ» (رومية 2: 1)

قال أحد خدام الانجيل مفسرا قول الرب يسوع، «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا» (متّى 7: 1): لا تدينوا لان هذه وصية الرب - لا تدينوا لأنكم لا تعرفون كل شيء - لا تدينوا لانكم لستم أصحاب حق - لا تدينوا لان المحبة لا تدين - الا أن مسيحنا له المجد لم يقصد بقوله: لا تدينوا ان يمنعنا من توبيخ أعمال الظلمة، وانما قصد ان يبعدنا عن المهاترات التي لا تبني ولا تعطي نعمة للسامعين.فلا نسلط عيوننا لكشف عورات الناس ونرسل ألسنتنا بالنيل من عيوبهم.

في الكتاب المقدس نصوص كثيرة تشجب الدينونة وفي مقدمتها القول لكل واحد منا: «مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ» (رومية 14: 4). وأما أنت فلماذا تدين أخاك؟ أو أنت لماذا تزدري بأخيك؟ لاننا جميعا سوف نقف أمام كرسي المسيح. فاذا كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً لله. فلا نحاكم أيضا بعضنا بعضاً.

الدينونة هي نوع من الشكاية والشيطان هو المشتكي على الإخوة. وهل يليق بنا ان نشترك مع الشيطان في الشكاية على الإخوة؟ كلا! لأن الشكاية دليل على البغض «كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ» (1يوحنا 3: 15) قال الرسول.

من المسلم به ان في الحياة أموراً متخالفة تعترض سبيلنا وربما نحن مدعوين للحكم فيها. ولكن حكمنا يجب أن يكون مشبعاً بروح الفهم والتفهم لظروف الغير، بحيث لا يتخذ حكمنا شكل المذمة أو التجريح أو الغربلة. وفي تعبير آخر انه اذا اقتضت الحال ان توزن شخصاً ما، فليس من الإنصاف في شيء ان تقارن شر ما فيه بخير ما فيك. بل العدل يقضي ان تقارن شر ما عنده بشر ما عندك، والا كنت ظالماً متعسفاً.

اذكر قول المسيح لأولئك اليهود الأشرار الذين حكموا برجم خاطئة: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» (يوحنا 8: 7). قال الرسول بولس. «لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا! فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (رومية 2: 1 غلاطية 5: 15)). ومع وضوح هذه النواهي، فما أكثر الذين يفتخرون بقدرتهم في مجالات النقد، وتصوير عيوب الغير ووزن أقوالهم وأفعالهم! هذا ليس روح المسيح، بل روح ضد المسيح، الروح الذي يعمل في أبناء المعصية.

لا تحكموا حسب الظاهر، بل احكموا حكماً عادلاً قال الرب يسوع لجماعة اليهود. وفي قوله هذا تحذير لنا من إصدار الأحكام الاعتباطية الباطلة. فقد نثار بوشاية كاذب يريد الإيقاع بأخينا حسداً وانتقاماً. أو تلعب الملابسات دورها فنثار بسوء الظن ونخرج على شرعة المحبة التي لا تظن السوء.

سُئل أحد أولاد الرب: على أي أساس تبني يقينك بعدم الدينونة. فأجاب: لانني تعلمت ان لا أدين أحدا والرب قال: «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا» (متّى 7: 1). ومن أخبار المسيحيين الأوائل ان نبيلاً من الاسكندرية عرض بسجايا أحد خصومه أمام الأسقف. وبينا هو ماضٍ في حملته على خصمه قرع الجرس للصلاة. فركع الاسقف وركع النبيل معه. وأخذ الاثنان يتلوان الصلاة الربانية وحين وصلا الى القول: «وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا» (متّى 6: 12). صمت الاسقف تاركاً النبيل يكمل الصلاة. فأدرك هذا قصد الاسقف فخجل من نفسه وقام وغادر المكان حزينا.

هناك قاعدة مثلى للتصرف في جميع الحالات كتبها الرسول بولس في رسالته الى أهل فيلبي بإلهام الروح القدس للإنذار والتعليم: «لَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» (فيلبي 2: 2 و3). هذا هو مستوى التواضع الذي أراد الرب ان نبلغه بنعمته ان نحسب الغير أفضل منا. وعندئذ تزول من لغتنا حملات القدح والذم والتجريح. وهناك قاعدة رائعة لتصرفك حيال ضعفات الغير وهي ان ترفع صلاة شكر لله، لأنه رحمك وردك الى سبل البر. وان تذكر ان الله الذي هو غني في الرحمة قادر ان يخلص اي إنسان من التواء حياته كما خلصك.

زرت مرة قريباً في ضيعته وكان مشهوراً بسرعة الانفعال والتجديف من العيار الثقيل. وصادف يومئذ ان مزروعاته كانت مهددة بالتلف، بسبب انحباس المطر منذ عدة أسابيع. وفجأة تلبد الجو بالغيوم ولمعت البروق وقصفت الرعود ثم هطل المطر في الحقول المجاورة دون ان تنزل في حقوله. فاستشاط غضباً وراح يجدف على المطر وعلى مرسل المطر. فحزنت نفسي في داخلي ولم ألبث حتى أسرعت الى موضع خلاء حيث سكبت نفسي في صلاة شكر لأجل نعمة المسيح التي طهرت لساني. ولولاها لكنت شتاما مجدفا. وللشرير قال الله:

Table 1. 

ما لك تحدث بفرائضيوتحمل عهدي على فمك    
وأنت أبغضت التأديبوألقيت كلامي خلفك    
اذا رأيت سارقا رافقتهومع الزناة نصيبك    

في الواقع ان أكثر الناس نقداً وذماً للغير هم أكثرهم حرياً بالنقد والذم. وقد قال الرسول منذرا هؤلاء بالقول: «مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ» (1كورنثوس 10: 12 رومية 2: 1). «أنت تَفْتَخِرُ بِالله وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ، وَتُمَيِّزُ الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، مُتَعَلِّمًا مِنَ النَّامُوسِ ، وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ. أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ: أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ. الَّذِي تَقُولُ: أَنْ لاَ يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ»؟ (رومية 2: 17-19 و21 و22).

Table 2. 

أيها الرجل المعلم غيرههلا لنفسك كان ذا التعليم    
تصف الدواء لذي السقاموذي الدوى كيما يصح به وانت سقيم    

ان ذم الغير أيها الإخوة من شأنه ان يشوه أفكارنا الروحية ويفسدها. فهو الخشبة التي تطمس على أعيننا وتجعلنا غير قادرين على ان نخرج القذى من عين أخينا. ان سلق الغير باللسان ان هو إلا تعد صارخ على الوصية القائلة: «قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا» (1بطرس 4: 8). وهو افتئات على القاعدة الذهبية التي وصفها المسيح بقوله: «فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ» (متّى 7: 12). أنا اسلم بأن الضعفات موجودة عند كل مولود امرأة ولكن كلمة الله تقول: «وَمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي الإِيمَانِ فَاقْبَلُوهُ، لاَ لِمُحَاكَمَةِ الأَفْكَارِ» (رومية 14: 1). واسلم بأن الزلات موجودة ولم ينج ذو جسد في الوقوع فيها. ولكن كلمة الله تقول: «إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا. لأَنَّهُ إِنْ ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ شَيْءٌ وَهُوَ لَيْسَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَغُشُّ نَفْسَهُ. وَلكِنْ لِيَمْتَحِنْ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْفَخْرُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ فَقَطْ، لاَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ. لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَحْمِلُ حِمْلَ نَفْسِه» (غلاطية 6: 1 و3-5).

يا أخي تذكر إنذار الرب. «كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» (متّى 7: 4 و5). والحق انه من أولى واجبات المحبة ان نخرج القذى من عين أخينا. ولكن بروح المحبة واللطف لا بروح الاستعلاء والجفاء وان نفعل ذلك بارشاد أخينا الى الطريق السوي كي لا يعثر. وأن نسعى جاهدين لمحو العيوب التي تشوه جمال حياته.

ولكن المشكلة هي ان معظم الناقدين ينظرون الى ضعفات الغير بشعور الأفضلية عليهم. هذه ليست محاولة إصلاح بل بالحري تعريض بهم ونيل من كرامتهم. وهل يرجى إصلاح من عيون متعالية طمست عليها خشبات البر الذاتي. حتى أصبحت لا تميز بين المساوئ والفضائل.

يا مرائي ابدأ بنفسك، قال الرب، اخرج الخشبة من عينك وحينئذ تقدر ان ترى القذى الذي في عين أخيك. ابدأ بنفسك أولاً هذا هو المبدأ الحق. قد يكون الأمر صعباً لأنه يتطلب نكران الذات وصلب النفس التي تقبح وتظن السوء وتفرح بالإثم. هذا هو العمل الذي أشار اليه الرسول بولس حين قال: «أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ. وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ» (أفسس 4: 22-24). فليس الا بهذا الخلق الجديد يكف أحدنا عن حمل المنظار المكبر الذي يرى صغائر الغير. ويحمل بدلاً من المنظار المرآة التي من شأنها ان ترينا كبائرنا. وعندئذ نجد عذرا للجميع: للصالحين لأنهم لا يقصدون الإساءة. وللأشرار لأنهم ضعفاء يستحقون الشفقة والرثاء. وذلك تمشياً مع قول المسيح: ان الله «يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِين» (متّى 5: 45).