العودة الى الصفحة السابقة

«إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هٰكَذَا عَلِّمْنَا» (مزمور 90: 12 أ)

بانتهاء العام 1968 طوى الزمان فصلا من قصة حياتنا ليبدأ قصلا آخر. وهذه المناسبة من شأنها ان تعود بنا بالفكر الى الأيام الخوالي التي انصرمت من عمرنا والتي بالنسبة لدعوة الله لنا ذهب الكثير منها سدىً. انها أيام التهمها اللاشيء ولا يمكن ان تعود لتصير ميداناً لنشاطنا. لقد استهلكناها بحسب مشيئة الجسد بلا زرع ولا حصاد.

ولكن شكرا لله لأجل النعمة المخلصة التي ظهرت «مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ . مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ» (تيطس 2: 12-14). وبهذا الرجاء المبارك نستطيع بنعمة الرب ان نفتدي فصاعدا الوقت. مصلين بكل طلبة وقائلين: يا رب «إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ» (مزمور 90: 12). حتى بالحكمة التي من فوق نصرف ما تبقى لنا من أيام في عمل ما يرضي أمامك بيسوع المسيح ربنا. ولنذكر انه مقابل الأيام التي أكلها اللاشيء يقف يوم الفداء العظيم، ومهما كانت خسارتنا كبيرة فيوم الفداء العظيم يرجح كفتنا.

لأنه اليوم العظيم الذي صنعه الرب لأجلنا، اليوم الذي ترتاح النفس من أتعابها وتجد سلامها عند رئيس السلام وتتمتع بمجدها عند رب المجد. انه يوم فرح الله وملائكته بخاطئ واحد من أبناء البشرية يتوب ويرجع الى الله. نتعلم من أحد أمثال المسيح ان ساعة واحدة في يوم النعمة المتفاضلة كانت كافية للعامل الذي جاء في الساعة الأخيرة من النهار لكي ينال أجرة النهار كله. ونتعلم من فداء يسوع ان دقيقة واحدة في حساب النعمة كانت كافية للص الذى صلب معه لكي ينال برا كاملا، ويرتفع على جناح الايمان الى فردوس الله. في يوم النعمة لم يترك الأب ابنه الضال يطرق باب التوسل. بل إذ رآه آتٍ من بعيد تحنن ، وركض ووقع على عنقه وقبله ودعا الأهل والأصدقاء الى وليمة فرح ذبح فيها العجل المسمن. وقال للجميع افرحوا معي «لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ» (لوقا 15: 24).

فليكن لنا ايمان بالله ولنجعل عامنا الجديد عام رجاء عالمين ان الرجاء لا يخزي، ولا يمكن ان يخزي لأن المسيح فينا رجاء المجد. قال الواعظ الشهير سبرجن: لقد بدأ رجاؤنا لما مات المسيح عنّا وتثبت حين قام، وتحقق حين صعد الى السماء وسيتم حين يأتي ثانية لكي يأخذنا اليه. ولنجعل عامنا عام ثقة في الله. لان المسيح قال: ثقوا أنا غلبت العالم.

قال أحد الأتقياء وهو على فراش الموت: أنا مملوء من الثقة. وهذه هي ثقتي انه يوجد رجاء موضوع أمامي وقد هربت وما زلت هاربا الى ملجأ هذا الرجاء، ففيه ثقتي، وفيه تعزيتي لانه رجاء حي بقيامة يسوع من الاموات لميراث لا يفنى ولا يضمحل ولا يتدنس. أمين هو الذي دعينا الى شركة ابنه يسوع المسيح، قال الرسول يوحنا.. انه أمين ولن يرفض شعبه، بل سيعود الى الرضا، لانه غني في الرحمة وعنده فدىً كثير. معونتي من عند الرب صانع السموات والارض، قال داود الملك. فلنتمثل بهذا الرجل العظيم الذي جعل الرب متكله في كل حين. وحين نقف للكفاح ضد صروف هذا الدهر لنتذكر قول الرب: لا تخف أنا هو القدوس الحق مخلصك... «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ»(متّى 28: 20). وبالفعل انه كان معنا في السنين الماضية وقد باركنا بكل بركة روحية في السماويات.

وبحسب وعده وهو سيكون معنا في السنة الجديدة، التي لا بد أن تحمل لنا في غضونها مشاكل وضيقات. وربما يتعذر علينا ان نقرر أي الطرق أجدى لتذليل الصعاب وبلوغ الهدف. ففي هذه الحال ينبغي ان من الله الحكمة كما هو مكتوب: «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَه» (يعقوب 1: 5).

قال الرئيس ابراهام لنكولن: كم ركعت أمام الرب لما رأيت حكمتي وحكمة مشيري لا تكفي لمطلب واجبات اليوم. فليتنا نقتدي بهذا الرئيس الكبير فنبسط ضعفاتنا أمام الله بانكسار قلب، لانه قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح. ولنطالب الله بوعده القائل: لا أهملك ولا أتركك عيني عليك. «أَمَّا رَحْمَتِي فَلاَ أَنْزِعُهَا عَنْهُ، وَلاَ أَكْذِبُ مِنْ جِهَةِ أَمَانَتِي لاَ أَنْقُضُ عَهْدِي» (مزمور 89. 33 و34). جربوني انتظروني أنا هو الرب لا يخزي منتظروه.

ولينا حي أيها الأحباء وهو يقول لكل منا: لا تخف مما هو عتيد أن تتألم به. ولا يضطرب قلبك حين تحيق بك التجارب وتشب عليك البلوى المحرقة، لأن هذه بسماح مني. لأنك بدون التجارب والمحن لن تختبر قوتي، وبغير الامتحان والتأديب لن تكون لك فرصة لتتهذب على يدي. ولكن تأكد ان كل ما يهددك من أخطار سيصطدم بحمايتي. أنا أسمح ان تجتاز ظروفا صعبة لكي أبلدك وأعلمك بأنني سيد الظروف وان قوتي بالضعف تكمل. لقد سمحت أن يمسك الضر، لأنني شئت ان تشارك يسوع رجل الاوجاع ومختبر الحزن لكي أسكب من تعزياتي في قلبك.

قال يسوع: روح الرب عليّ لانه أرسلني لأعزي كل النائحين، لأعطيهم جمالا عوضا عن الرماد، ودهن فرح عوضا عن النوح، ورداء تسبيح عوضا عن الروح البائسة. فيدعون أشجار غرس الرب للتمجيد. قد تكون فشلت بمخططاتك للمستقبل فهذا أيضا بسماح من الله. وهو يقول لك: لقد شئت ان أوبخك لأنك وضعت الخطط في معزل عني. من ثم طلبت مني أن أباركها وأنجحها، وقد كان الأحرى ان تسألني أولا. لأن أمور المستقبل تتجاوز امكانياتك ولا تستطيع ان تنجح من دوني. اتركني فصاعدا أخطط لك، لأني أنا هو سيد المستقبل وأستطيع ان أجعل كل الاشياء تعمل معا للخير لاجل الذين يحبون الله. أجل عندما تتعلم ان تراني في كل ظرف وفي كل مكان تجد رحمة وتجد نعمة وعونا في حينه. لهذا أوجه أفكارك اليوم الى كلمتي وقلبك الى وعودي الامينة. ان رسالتي لك في هذا العام هي: «تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ» (رؤيا 3: 11).

أيها الأعزاء

ان أمانة الله تستلزمنا ان نكون أمناء له في كل شيء. فهو يطالبنا بذلك بقوله: «كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (رؤيا 2: 10). ان الامين على القليل سأقيمه على الكثير وأدخله الى فرحي.

حين كان الرئيس ابراهام لنكولن محامياً رفض قضية أحد الزبائن قائلاً له: أنا أستطيع ان أربح قضيتك بسهولة ولكن هذا كان سيحملني الى مضايقة أرملة أم لستة أولاد. وأنا أعلم ان المبلغ الذي تطالبها به لا حق لك فيه اطلاقاً. لذلك أنصحك بأن تشغل يديك لكي تربح هذا المبلغ عن طريق شريفة. لقد خسر ابراهام لنكولن الزبون بسبب أمانته ولكنه ربح الشعب الاميركي الذي حمله الى سدة الرئاسة. وحين توفي أشار أحد معارفيه الى تابوته وقال: هنا يرقد أعظم حاكم عرفه التاريخ.

لنكن أمناء أيها الإخوة والأخوات، وليكن شعارنا للعام القادم القول الالهي «اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ» (مزمور 37: 3 و4) وتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك». ولنثق في الله، ولنعتصم بحبله صابرين في الضيق وفقا للوصية القائلة «فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ» (عبرانيين 10: 35 و36) . ولنسهر على قداسة حياتنا، لان الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح. ولنتمسك بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة الى النهاية.