العودة الى الصفحة السابقة

Table of Contents

العام الجديد

العام الجديد

العام الجديد (جامعة 1: 4)

نقرأ في سفر الجامعة هذه الكلمات البليغة: «دَوْرٌ يَمْضِي وَدَوْرٌ يَجِيءُ، وَٱلأَرْضُ قَائِمَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ» (جامعة 1: 4). هكذا جاء العام 1971 ثم مضى ووضعه الزمان في غياهب التاريخ. ومع ان الناس اختتموه بسلسلة من الاعياد المفعمة بألوان المسرات، الا أن السرور العارم لم يستطع القضاء على مخاوفهم المزمنة. صحيح انهم سروا بالذكريات السعيدة لتجسد الكلمة ليصير الله معنا. ولكن خوفهم ما زال قائما لان عظماء هذا الدهر لم يتوصلوا الى حل مشاكل العالم، فبقي شبح الحرب جاثماً على الصدور.

ولأن خلافات الساسة الأقطاب قد تتحول فجأة الى صراع مسلح. ويقينا هل يرجى من قادة يتفاوضون وليس خوف الله قدام عيونهم. ان ضمائرهم موسومة بالطمع ولهذا يفاوضون بوحي الذهن المرفوض وتبعا لذلك يتجنون على الحق. فبينما هم يلقون الخطب في أروقة الامم المتحدة منددين بالأعمال العدوانية، يمضي المعتدون في أعمالهم لكأن كلمة سلام التي يجترونها هي سترة لاعداد المؤمرات. ويزيد من مخاوف الناس ان مجلس الامن ومن ورائه هيئة الأمم المتحدة لم يستطع ايقاف معتدٍ.

وكيف لا يخاف الناس، والصين هذه الدولة المارد تقول: ان مشاكل العالم لا تحل إلا بالثورات الحمراء، وان سفك الدم ضرورة لا مناص منها لتحطيم الرأسمالية واقامة نظام جديد في ظل شيوعية ماوتسي تونغ. أغبياء هم ساسة هذا العالم! فالمدفع لا يحل المشكلة ولا يمكن ان يحلها، على العكس انه يزيدها تفاقما. والحرب أيا كان نوعها أو دافعها لا يمكن ان تحقق للعالم سلاما بل تحطيما ودمارا ودماء ودموعا. أما نداءات السلام التي يطلقها الأقطاب في كل عام بمناسبة ميلاد رئيس السلام فهي أقوال هراء لا يصدقها حتى الذين يتشدقون بها. وانما هم يطلقونها للاستهلاك الدعائي لكسب الحرب الباردة.

يقولون سلام سلام «لاَ سَلاَمَ، قَالَ الرَّبُّ لِلأَشْرَارِ» (إشعياء 48: 22). السلام يتحقق في حالة واحدة حين يترك أبناء هذا العالم الخطية الخاطئة جدا. هكذا قال سليمان الحكيم: «اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ، وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّة» (أمثال 14: 34). وقال رسول الأمم بولس: «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح» (رومية 5: 1). نعم، حين يقبل الناس الى رئيس السلام يحررهم من الخطية فيتسالمون مع الله ومع القريب. ونتيجة لذلك يطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل، لا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد. لا يسيئون ولا يفسدون... لان الارض تمتلئ من معرفة الرب. وعمليا كيف يستطيع قادة الشعوب والأمم إحقاق الحق وهم من باطل أجمعون؟ كيف يمكنهم إبطال الحروب بينما هم ينفقون المبالغ الخيالية على التسلح وإعداد الجيوش؟

ففي هذا الجو المشحون بتيارات المشاكل حيث طغت مخاوف الناس على سرورهم نقف على عتبة العام 1972 وكل أمة وكل عائلة بل كل نفس تتمنى ان تأتي مع العام الجديد فجر تشرق فيه أنوار السلام. والمسيحيون في كل العالم يرقبون العام بعين الرجاء علّه يحقق جمع الشمل! بعد أن عانوا الشيء الكثير من انقساماتهم شيعا وطوائف وفرقا متنابذة. انهم يأملون ان يعمل الروح القدس لتجديد الأذهان والقلوب فتحيا الكنائس انتطار سيدها في ظل وحدة الإيمان بالمسيح الواحد، الذي جاء ليجمع أبناء الله المتفرقين الى واحد. وبذل نفسه ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. آه! ليت الجميع يطيعون القائل: ينبغي ان تولدوا من فوق! فحين يولد الجميع من الله يصيرون واحدا في المسيح ويصير لهم قدوم الى الآب في روح واحد!

أيها الأحباء

في الظرف الدقيق الذي يجتازه العالم، يجب أن نكون نحن القطيع الصغير في حالة تأهب وسهر وصلاة. وأن نكون في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء الرب. ويجب أن نرهف السمع الداخلي علّ صوت القدوس الحق يعلو على ضجيج المخاوف التي تسربت الى قلوبنا. عالمين ان فوق الملوك والرؤساء الفاشلين، وفوق غيَر الدهر وصروفها يوجد رئيس ملوك الأرض ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي هو هو أمسا واليوم والى الأبد. وصوته يرتفع في كل مكان قائلاً لكل مؤمن به: لا تخف أنا هو الألف والياء.

فلنرفع الأبصار الى الألف والياء، الذي كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. ولنسمع بلاغه بمناسبة العام الجديد: لا تخافوا أنا هو. واننا لواجدون في بلاغه كل ما يبعث على الاطمئنان وهدوء النفس.

  1. رسالة تشجيع: لتتشدد وتتشجع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب. لا تخافوا لان سواعد الاشرار تنكسر وعاضد الصديقين الرب. لا تخف لاني فديتك دعوتك باسمك أنت لي. صرت عزيزا في عيني مكرما وأنا قد أحببتك. أنت في قلبي، وسأحفظك من ساعة التجربة العتيدة ان تأتي على العالم. تشدد وتشجع ولا ترهب لان الرب الهك معك حيثما تذهب.

  2. رسالة عهد الضمان: أنا هو الراعي الصالح. قال السيد الرب. «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا 10. 27 و28). دفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الارض فكل الأشياء في يدي وأنا أجعلها معاً لخير كنيستي التي اقتنيتها بدمي. على كفي نقشت أسوارها وحوطتها بعنايتي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. أنا الرب في وسطها فلن تتزعزع ولو انقلبت الجبال الى قلب البحار. الجبال تزول والآكام تتزعزع أما إحساني فلا يزول قال راحمك الرب. كل آلة صورت ضدك لا تنجح كل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه.

  3. رسالة أمن: لا تخف أنا هو الألف والياء قريب من جميع الذين يدعونني بالحق. أأنت في حيرة؟ ليتك تسترشد بروحي وتتخذه قائدا ومعلما. أمتعب أنت؟ تعالى اليّ وأنا أريحك من أتعابك مهما كانت ثقيلة. احمل نيري عليك وتعلم مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجد راحة لنفسك. أخائف أنت؟ الجأ اليّ وارتم في حضن عنايتي فتجد أمنا وسلاما. لماذا تخاق وأنا نورك لماذا ترتعب وأنا حصن حياتك؟ لماذا ترتعب وأنا ظل عن يدك اليمنى؟ لماذا تجزع وأنا هنا لاخبئك في مظلتي؟ لماذا تبتئس وأنا استرك بستر خيمتي؟

  4. رسالة غفران: قد محوت كغيم ذنبوك وكسحابة خطاياك، قال السيد الرب. «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ» (إشعياء 1: 18). ذكرني فنتحاكم معا حدثني لكي تتبرر «أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا» (إشعياء 43: 25). هكذا عرفه ميخا النبي في الغفران فقال: من هو اله مثلك غافر الاثم وصافح الذنب لبقية ميراثه، لا يحفظ الى الابد غضبه فانه يسر بالرحمة. يعود يرحمنا يدوس آثامنا.

  5. رسالة مسؤولية: فأنت وأنا مسؤلون كلنا أمام الالف والياء. كلنا وكلاء على نعمة الله المتنوعة. وكل منا تسلم وزنة أو أكثر وقد أمرنا ان نتجر ونربح وزنات أخر. قال الرسول ان كل مسيحي اعطي نعمة حسب قياس هبة المسيح. الواعظ فبالوعظ، المعلم فبالتعليم، المدبر فباجتهاد، المعطي فبسخاء، الراحم فبسرور، المحبة فلتكن بلا رياء. كونوا كارهين الشر، ملتصقين بالخير وادين بعضكم بعضا بالمحبة الاخوية متقدمين بعضكم بعضا بالكرامة، غير متكاسلين في الاجتهاد حارين في الروح عابدين الرب بفرح فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة.

نعم اننا جميعا مسؤلون عن الوزنات التي تسلمناها والرب قادم وسيطلب منا حسابا وقد حذرنا من الغفلة، اذ قال كونوا مستعدين لانه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الانسان. فلنستعد ما دام الوقت لنا. ولنحاسب أنفسنا ليسأل كل واحد نفسه: هل كان الرب الفا وياء في حياتي؟ هل عشت كما يحق لانجيله؟ هل كان يسوع الفا وياء في سنتي الماضية، التي طلب الي ان أفتدي أوقاتها؟ هل كان يسوع ألفا وياء في معاملاتي مع القريب الذي امرت بأن أحبه كنفسي؟ هل كان يسوع الفا وياء في تصرفي مع أعدائي الذي أوصيت بأن أحبهم وبأن أصلي لأجلهم؟ وأخيرا هل صممت على أن أجعله الفا وياء في سنتي الجديد؟

دور يمضي ودور يجيء والأرض قائمة الى الأبد. عام يمضي وعام يجيء والشمس تشرق والشمس تغرب وفي الشروق والغروب اعلان بانقضاء يوم من حياتنا. ومع ذلك قلّ ما نفكر في نهايتها مع انها كما قال الرسول يعقوب كبخار يطير قليلا ثم يضمحل. وانساننا كما قال اشعياء «كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ ٱلْحَقْلِ يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَد» (إشعياء 40: 6 و8). فليتنا نمتثل للوصية الرسولية القائلة: «فَٱنْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِٱلتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ لأَنَّ ٱلأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أفسس 5: 15 و16).