العودة الى الصفحة السابقة
العبادة الاستعراضية

العبادة الاستعراضية

جون نور


قال الرب يسوع في معرض حديثه مع المرأة السامرية: «اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 24:4).

هل أصبحت الحياة الإيمانية مجرد تعبيرات محفوظة ضاع معناها، وهل هناك انفصام بين حياة الايمان والممارسة اليومية العملية.

لعل أكثر ما يؤلم قلب الله أن يكون للإنسان الواحد عدة أقنعة، يتلون حسب الظروف المختلفة التي يجتاز فيها، فأضحى ظاهره مغايراً لباطنه، مثل ذلك الشاعر الذي أمضى طوال النهار يكتب شعره مدحاً في الفضيلة، وبات ليله يمارس الرذيلة!

أي نعم! ما أكثر ذئاب الخطايا التي ترتدي ثياب الحملان. قد تكون الخطية – على سبيل المثال – كراهية وحقد وخصام في قناع الزهد – في الاختلاط، أو كبرياء تستتر وراء المحافظة على الكرامة، أو مداهنة ومراوغة بحجة حسن السياسة. هذا ما جعل أحدهم يصرخ قائلاً: آه أيها الدين كم من الجرائم ترتكب باسمك الجميل. كيف لا.. وهناك من يتعبد مظهرياً فقط، ولا يحيا حياة الإيمان الحقيقية. وهذا ما يظهر في مجالات مختلفة:

أولاً: رسالة كلامية بغير حياة عملية:

لعلك تقف مشدوهاً وأنت تستمع في سفر الملوك الأول ص 21 إلى إيزابل وهي تنادي في الشعب بصوم. ولو أنك لا تعرف نهاية القصة لانحنيت تقديراً لايزابل. لكنك قبل أن تصل إلى نهاية الأصحاح، تجد المؤامرة الدنيئة التي رتبتها لقتل نابوت اليزرعيلي، ليرث زوجها آخاب كرمه.

وفي أيام آساف جاء صوت الرب في مزمور 16:50: «لِلشِّرِّيرِ قَالَ اللهُ: مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي وَتَحْمِلُ عَهْدِي عَلَى فَمِكَ؟». وكأن الرب يريد القول: أيها الشرير كيف جاءت لك الشجاعة لتتحدث بفرائضي، دون أن يكون للكلمة تأثير على حياتك... الكلمة التي هي كمطرقة تحطم الصخر. هل صار قلبك أقسى من الصخر. في مثل السامري الصالح رسمت لنا ريشة الوحي المقدس الكاهن يمر على الإنسان الساقط على الطريق جريحاً متألماً، دون اكتراث أو اهتمام، إذ رآه وجاز مقابلة (لوقا 31:10).

واغلب الظن أن الكاهن كان نازلاً من أورشليم راجعاً إلى بيته، بعد أن قام وأدى بعض الصلوات والطقوس، ولكن فاته أن يترجم الصلاة إلى تضحيات، ولم يستطع أن يوظف الطقوس في ربح النفوس.

لقد كانت العبادة - بهذه الصورة - ما يمكن أن نطلق عليها للعرض فقط.

ولأمثال هؤلاء تحدث الرب يسوع فوضع النقاط على الحروف فقال: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متّى 7: 21).

«كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟» (متّى 7: 22).

«فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!» (متّى 7: 23).

ثانياً: صلاة بغير صلة:

اكتفى البعض من الناس بالشكليات الدينية، والمظاهر الخارجية، في غير اكتراث بفساد قلوبهم، وموت ضمائرهم. يرفعون صلواتهم برنين معين، وبنغمة خاصة، وكأنهم على علاقة عميقة، وشركة قوية بالرب، في الوقت الذي لا توجد فيه أدنى صلة بينهم وبين إلههم.. كيف؟

في إنجيل لوقا ص 18 نرى الفريسي الذي صعد إلى الهيكل ليصلي ظاناً أنه بار. وبلا خطية، غير أنه خرج ليس مبرراً ولكن مداناً أمام الله. ذلك لأن صلاته لم تكن سوى لوناً من ألوان الرياء. لهذا فلا عجب أن صب الرب يسوع وابلاً من الويلات على الكنيسة والفريسيين، كما نقلها إلينا متّى البشير في الفصل الثالث والعشرين من بشارته.

ثالثاً: عطاء بغير سرور أو شكر:

جلس الرب يسوع في يوم من الأيام تجاه الخزانة. ونظر كيف يلقي الجمع عطاياهم، وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيراً. وجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين. فدعا الرب يسوع تلاميذه، وقال لهم: الحق أقول لكم أن هذه الأرملة ألقت أكثر من جميع الأغنياء الذين ألقوا في الخزانة، وبهت التلاميذ وأندهشوا... كيف يكون هذا؟ على أي مقياس يستند الرب يسوع في كلامه فأجابهم: ل«أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا» (مرقس 41:12 – 44) وكأن الرب يسوع أراد أن يقول أن عطاء الأغنياء كان للعرض فقط! أما عطاء الأرملة، فهو يحمل أسمى معاني الإيمان والحب والتضحية.

إن المهم ليس في كمية العطاء بل في روح العطاء.

كم من مرة يتألم الله من عطايانا لأنها لا تعبر عن حبنا أو شكرنا له. وفي مرات يكون العطاء مزيفاً كتلك التقدمة التي جاء بها حنانيا وامرأته سفيرة هي في ظاهرها تقدمة وباطنها اختلاس. مثل هؤلاء يشبهم يهوذا أخو يعقوب في رسالته. بغيوم بلا مطر وأشجار خريفية بلا ثمر.

رابعاً: شركة بغير محبة:

في سفر أعمال الرسل نرى شركة المحبة المسيحية في أبهى صورها بالكنيسة الأولى، حيث مكتوب أنه كان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة.

إن الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن أذهاننا هي أن الله لا يهمه المظهر بقدر الجوهر، وأن مقاييس الله أسمى بكثير مما نظن، وهذا ما قاله الرب لصموئيل وهو مزمع أن يمسح واحداً من أبناء يسى البيتلحمي ملكاً: «الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ» (1صموئيل 7:16). وهذا ما شدا به المرنم أيضاً: «فَإِنَّ فَاحِصَ الْقُلُوبِ وَالْكُلَى اللهُ الْبَارُّ» (مزمور 9:7). نعم! إن الإنسان في حاجة ماسة إلى الاختلاء مع الله، ليرفع من أعماق قلبه الصلاة التي رفعها داود في القديم:

«اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا» (مزمور 139: 23 و24).