العودة الى الصفحة السابقة
السنين المباركة

السنين المباركة

جون نور


«لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ بَارَكَكَ فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ، عَارِفًا مَسِيرَكَ فِي هذَا الْقَفْرِ الْعَظِيمِ. اَلآنَ أَرْبَعُونَ سَنَةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ مَعَكَ، لَمْ يَنْقُصْ عَنْكَ شَيْءٌ» (تثنية 7:2)

هذه الكلمات التي أخترتها موضوعاً لحديثي في هذه الحلقة جاءت إلى ذاكرتي أمس بصورة عجيبة،فإذا ما نظرنا جميعاً إلى الوراء وتفكرنا في الوقت الذي تقابلنا فيه مع الرب، سواء كان ذلك منذ أربعين سنة أو أربع سنوات أو أربعة أيام، فلا بد أن تمتلئ قلوبنا بالشكر العميق للرب. قد لا نستطيع أن نحدد لحظة معينة فينا نلنا فيها تأكيد الخلاص، لكننا نعلم يقيناً أننا من خاصة الرب. نعم، إنه إلهنا، وقلوبنا مفعمة بالشكر العميق له لأجل رحمته ونعمته. وهكذا بينما كنت أقرأ تلك الكلمات وجدت نفسي مدفوعاً أن أقول:

(1) شكراً لك يا رب لأجل عنايتك:

لاحظ كيف يبدأ العدد بالقول: «لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ بَارَكَكَ فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ». وهذا بلا شك يذكرنا بعناية الله وإحسانه، ويا له من امتياز أن يكون هو أبونا السماوي المحب الذي يسهر علينا ويباركنا كل الطريق! هذا لا يعني بالطبع أن الحياة بعد الإيمان تصير خالية من التجارب والامتحانات والمتاعب، بل أننا في كل ما نجتازه من ظروف فرح أو حزن، سرور أو ألم، تأتينا البركة من أبينا السماوي المحب. وهكذا فإن تلك الكلمات تؤكد الحقيقة الواردة في (رومية 28:8): «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ». لقد كانت هذه الحقيقة تنطبق علي كما هي تنطبق على كل واحد من أولاد الله، لذا دعونا نشترك معاً في تقديم الشكر لله لأجل عنايته قائلين له: «شكراً لك يا رب لأجل عنايتك بنا لأنك باركتنا في كل شيء».وأقول للرب أيضا :

(2) شكراً لك يا رب لأجل علمك:

وهذه الكلمات تحدثنا أيضاً عن علم الرب الواسع بكل ما يحيط بنا: «عارفاً مسيرك في هذا القفر العظيم». نعم، إنه يعرف! إنه يرى ويعرف كل شيء عن أولاده، وهذا ما اختبرته كل هذه السنين المباركة ؟ إن ما يملأ قلوبنا تعزية أن نعرف أن الله يعلم كل شيء، ويفهم أيضاً. وهذا يجعلنا نسلك بحساب، إذ نتذكر أننا دائماً تحت رعاية العين الساهرة، وأنه يريد دائماً الأفضل لنا.

«لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ» (مزمور 14:103). وقد قال الرب يسوع نفسه: «لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ» (متّى 8:6). وأقول للرب أيضاً:

(3) شكراً لك يا رب لأجل إرادتك:

يقول الرب انه «عارفاً مسيرك». إن لله خطة في حياة كل واحد من أولاده، وهذه الخطة أن يسيروا معه خطوة فخطوة، وهذا ما يقوله الكتاب: «لاَ تَكُونُوا كَفَرَسٍ أَوْ بَغْل بِلاَ فَهْمٍ. بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ» (مزمور 32: 9). لقد كنت أحياناً متسرعاً متعجلاً، وأحياناً أخرى كنت عنيداً متباطئاً! لكن الرب يريد أن نسير أمامه، ونسير معه، ونتمم إرادته نحو تقديس الحياة:

فشكراً لك يا رب لأجل إرادتك، ليتك تحفظني معك كل الأيام، وتحفظني سائراً في طريقك. وأقول للرب أيضاً:

(4) شكراً لك يا رب لأجل قصدك:

ترى ما هو قصد الله في حياة كل واحد من أولاده؟ أن نسير في هذه البرية، «هذا القفر العظيم‎»، الذي يشير إلى رحلة الحياة الأرضية. والبرية في القاموس تعني «بقعة خربة من الأرض مهملة وموحشة، أو هي حالة تحس فيها النفس بالوحشة». وكم تعبر هذه الكلمات عن إختباراتنا في هذا العالم الشرير! وقد تركنا الله هنا حيناً لكي يعلمنا ويدربنا ويقدسنا، فهكذا نحن في البرية سائحون، ويقودنا الرب في هذه الأرض القفر، وهذا يعني أننا فقط نعبر البرية في طريقنا نحو كنعان موطننا السماوي. وهذا هو رجاؤنا. وأقول للرب أيضاً:

(5) شكراً لك يا رب لأجل طول أناتك:

هذا ما نعرفه من الكلمات: «الآن أربعون سنة للرب إلهك معك». أذكر كم كان الرب طويل الأناة مع الشعب قديماً، بينما كانوا معاندين وجاحدين ومتقلبين وعصاة؟. «وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ» (أعمال 18:13). عوائدهم! سلوكهم الرديء! (6) شكراً لك يا رب لأجل حضورك:

تقول الآية: «الآن أربعون سنة للرب إلهك معك». لقد سار الرب مع الشعب قديماً في عمود سحاب نهاراً وليلاً، وأنا قد اختبرت حضور الرب معي طوال هذه السنين في شخص الروح القدس، الذي لا يسكن فقط معي بل في. لقد اختبرت ذلك ليس كمجرد وعد في الكتاب بل كحقيقة دائمة من يوم إلى يوم لمدة أربعين سنة. إنه كان معي في أوقات فرحي وأوقات حزني. نعم، وفي أوقات الشدة. وعندما تتأمل هذه الحقيقة العجيبة، أن الله العظيم القدوس كان معك على مر السنين وهو معك الآن، ألا يملأ هذا قلبك بالشكر العميق؟

(6) - شكراً لك يا رب لأجل جودك:

ترى كيف ينتهي العدد؟ «... لم ينقص عنك شيء». لمدة أربعين سنة قضاها الشعب في البرية لم يعوزهم شيء. «ثِيَابُكَ لَمْ تَبْلَ عَلَيْكَ، وَرِجْلُكَ لَمْ تَتَوَرَّمْ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً» (تثنية 8: 4). فيا لها من عناية عجيبة من الله لأولاده! ولنتذكر نحن المستمعون كم أعد لنا نحن أيضاً ما يكفي لسد إعوازنا! «الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ» (مزمور 10:34).

لقد سأل الرب تلاميذه في إحدى المناسبات قائلاً: «حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلاَ كِيسٍ وَلاَ مِزْوَدٍ وَلاَ أَحْذِيَةٍ، هَلْ أَعْوَزَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقَالُوا: «لاَ» (لوقا 35:22).ثق عزيزي المستمع مع الرب في هذه الحياة لن يعوزك شيء.