العودة الى الصفحة السابقة
الغريب

الغريب

جون نور


«غَرِيبٌ أَنَا فِي ٱلأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ» (مزمور 19:119|).

لماذا خص داود نفسه بدون الآخرين ألسنا جميعنا غرباء على هذه الأرض. ألسنا جميعنا نزلاء وغرباء وعابرين جسر الزمن لنصل إلى ذلك اليوم إلى الجانب الآخر إلى الوطن السماوي.

نعم كل الناس غرباء لكن المؤمن غريب بصيغة خاصة الناس غرباء رغماً عنهم، أما المؤمن فهو غريب بإرادته لأنه لا يعتبر نفسه مستوطناً بل غريباً أما هم فمع أنهم غرباء إلا أنهم يسلكون كالمستوطنين، وكأن هذه الدنيا وما فيها لهم ولأولادهم يستملكون ويبنون وكأنهم سيأخذون كل هذا وذاك معهم ونسوا بأنهم غرباء ونزلاء.

هل نحن غرباء ونزلاء على هذه الأرض وأقصد بنعمة الرب أن أتحدث إليكم عن علامات الغريب وملذاته وانتظاراته ومسرته ثم أتكلم عن وصايا ضرورية للغريب.

أولاً: علامات الغريب:

الناس ينظرون ويعرفون أنك غريب عليك سمات الغريب وكل من يراك يقول بأنك غريب يقرأونك كسفر مفتوح ويعرفوك بأنك غريب وذلك من:

1 - شكل الغريب:

ففي شكلك ما يدل على أنك غريب، الأبيض غريب بين الزنوج، والصيني بين العرب لأنه مولود من مملكة أو دولة أخرى.

وكذلك أنت لست مولوداً من الأرض لأن «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ» (يوحنا 3: 6)«ولكنك مولود من فوق من الله» ليس عليك آثار التراب بل مسحة الروح، وإذا ما سرت في العالم تظهر بأنك غريب لأن شكلك لا يشبه شكل العالم «تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رومية 12: 2).

هل أنت غريب، هل يرى الناس اختلافاً في الشكل ما بين العالم وبينك «لاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ» (رومية 12: 2) وإلا فلستم غرباء».

2 - لباس الغريب:

وللغريب سمات أخرى لا تبدوا في تكوينه ولكن في لباسه أيضاً في حركاته وعاداته فلباس الغريب يمتاز عن لباس القوم الذين يحل بينهم نستطيع أن نميز لباس الأمريكي عن لباس العربي، والأمريكي عن الصيني ونستطيع أن نميز الناس من أشكال ملابسهم.

من لباسك أيها المؤمن الحقيقي يرى الناس أنك غريب العالم يلبس ثوب الخلاعة والمجون والشر والكذب ولكنك أنت تلبس الرب يسوع.

يخلع المؤمن أعمال الظلمة ويلبس أسلحة النور لابساً الكل ترس الإيمان، وعلى هذه يضع المحبة لأن المحبة تستر كثرة من المعاصي.

ثم حركات المؤمن تختلف عن حركات الناس وعاداتك تختلف كل الاختلاف عن عادات الناس الذين تعيش معهم.

تطلعات الغريب:

3 - انتظارات الغريب:

ماذا ينتظر الغريب أن يجد في أرض الغربة، أنتظر ما يؤلم، وما ينغص، وإلا فلست غريباً. فانتظر أن لا يعاملك الناس بحسب سمو نسبك بل بمقدار مظهرك بين الناس.

أنت أيها الغريب روحياً أبن ملك ولك كرامة كرامة ملك – ولكن الناس ينظرون إليك كابن شحاذ، وكم يؤلم المؤمن هذا إننا نحن أولاد الله معتبرين في نظر الناس مزدري وغير موجود.

لا تحزن لأن سيدك في الغربة لم يعرفه العالم كان في العالم وكون العالم به والعالم لم يعرفه، المؤمن لا يستطيع ولا يقدر أن يجد شبعاً وسروراً في الأرض لأن كآبة الغربة تظهر في وجهه، لأنه يجد نفسه دائماً متغرباً عن الأب ويذوق من المرارة شيئاً كثيراً.

هناك في الغربة الاضطهاد والمقاومة، اذهب إلى أي بلد غريب وستجد كيف يعاملك الوطنيون دائماً أهل البلاد لا يحبون الأجانب والدخلاء. «لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ... لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ» (يوحنا 15: 19).

فانتظر الإساءة، ألست غريباً أنتظر أن يسلبوك حقك ويقوم شهود زور ضدك وبالجملة أنتظر دموعاً في أرض الغربة، إن العالم بالنسبة للمؤمن سجن كبير وهل يجد سجين سعادة في سجنه.

إن كنت لا تحس بآلام الغربة فأنت لست غريب بل وطني لا تنتمي إلى ذلك الوطن المنتظر.

وصايا للغريب

اسمح لي أن أقدم بعض الوصايا التي إن اتبعتها في غربتك تقضي حياة هادئة مطمئنة:

1 - لا تمد جذورك وتستوطن في الغربة بل أرسل فروعك إلى أعلى لأنك غريب ولا بد في يوم من الأيام أن غربتك ستنتهي وستترك كل شيء.

2 - لا تشتر في هذا العالم إلا ما يمكنك أن تأخذه معك لا تدفع مالك ثمناً لأشجار وحقول وبيوت وأنت تعلم علم اليقين أنه يستحيل عليك أن تأخذها معك بل اشتري لآلئ وجواهر نعمة الله.

3 - لا تنفق مالك في أرض الغربة لا تبعثره هنا وهناك بل حوّل مالك إلى بنك وعمله الوطن حول ثروتك إلى بنك الإحسان ومراعاة المساكين أعطي فلوسك للرب لأن من يرحم المسكين يقرض الرب.

4 - لا تغفل عن تجهيز نفسك للعودة للوطن اجتهد أن ترجع مرفوع الرأس موفور الكرامة تزود للرجوع ولا تنسى أنك غريب وستعود وهل يليق أن تعود شحاذاً فقيراً أنك تخجل من العودة بغير ثروة أين أرباح وزناتك.

لا تقطع المراسلة بينك وبين الوطن، عندك تلفون لاسلكي سهل أتصل بأبيك واسمع حديثه حيه في الصباح والمساء وأشكره وأسكب عواطفك أمامه.