العودة الى الصفحة السابقة
العلم والكتاب المقدس

العلم والكتاب المقدس

جون نور


«مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَارًا؟» (أيوب 5:38)

لو طلب من مهندس أن يعد بعض التصميمات لعدد من المباني الضخمة.. ترى كيف يبدأ المهندس عمله؟ وما هو أسلوبه لإتمام هذا العمل؟

لا شك أن هناك عدداً من الأسئلة الحيوية التي يتطلبها إنجاز مثل هذه الأعمال ولا بد أن يحسب حسابها من البداية. أهم هذه الأسئلة:

ما هي مساحة هذا المبنى؟ وما هو موقعه؟

ما عدد الغرف المطلوبة؟ وكم مساحة كل منها؟

إلى غير ذلك من عشرات الأسئلة...

من هنا كان سؤال الرب إلى أيوب وأصحابه عن المقاسات.

هل فكرت مرة أن الكون قد تم بناؤه على أساس خطة محكمة البناء؟

الواقع أن العلوم الحديثة تؤكد لنا أن كل شيء أعد بمنتهى الدقة والحساب وليس بطريقة عشوائية.

ولكن ما هو دليلنا على ذلك؟

أولاً: إن وجود الجنس البشري على كوكب الأرض يتحتم معه أن تكون الأرض لها مقاسات معينة.. لماذا؟

أ‌) كمية كبيرة من بخار الماء وغيرها من الغازات تنساب في أوقات الحر، وهذه الكمية تحددها عوامل كثيرة منها حجم الأرض.

ب‌) الجاذبية الحادثة عن الشمس والقمر، يرتبط تأثيرها بحجم هذه النجوم والكواكب، بالمقارنة إلى حجم الأرض.

ج) يرتبط تأثير هذه الكواكب ببعدها عن الأرض.

ويمكننا من خلال المثال التالي إلقاء بعض الضوء على أهمية حجم الأرض وأثره في تحديد مناخها. فعند عصر برتقالة صغيرة قطرها 25ر2 بوصة يمكن الحصول على كمية مقدارها 30 سم 2 من عصير البرتقال. ولكن عند يتم عصر برتقالة أخرى قطرها 25ر3 بوصة فإنه يمكن الحصول على 100 سم2 من عصير البرتقال. وبذلك فإنه يمكن بزيادة قطر البرتقالة بوصة واحدة الحصول على كمية إضافية من عصير البرتقالة تقدر بنحو 70 سم2 . والآن هل يمكننا تطبيق هذا المثال البسيط على كوكب الأرض وغيره من الكواكب السيارة المكونة لمجموعتنا الشمسية؟

بالنسبة لمياه المحيطات، فالمعروف علمياً أنها تكونت من بخار الماء الذي نتج عن كرة الأرض الملتهبة في أيامها الأولى. ويمكننا تصور الكمية الهائلة من بخار الماء الذي نتج حول كوكب المشتري والذي يصل حجمه إلى 13,000 مرة حجم الأرض. ويُقال إن كمية البخار المحيطة به تصل إلى 150 مرة الكمية المعروفة بكوكبنا الأرض. والواقع إن كمية البخار الموجودة حول كوكب الأرض تتفق تماماً مع الظروف المعيشية لكائنات الأرض وأي تغير فيها بالزيادة أو النقصان لا شك وأنه يؤثر على هذه الكائنات الحية.

ثانياً: يقدر قطر الأرض بنحو 8000 ميل. والآن لنفرض أن الأرض وصل قطرها إلى أن بلغ قطر المشتري (أكبر الكواكب السيارة) وخامسها من حيث البعد عن الشمس. عندئذ سنجد أن البشر الذين خلقوا ليعيشوا مع ضغط يبلغ 15 رطلاً لكل بوصة مربعة عند مستوى البحر، لا يمكنهم تحمل الضغوط الشديدة التي قد تصل إلى مئات الأطنان للبوصة المربعة الواحدة في مثل هذه الكواكب الكبيرة، والتي لا تتناسب بالمرة مع معيشة الإنسان.

أليس كل شيء محسوب بعناية ليناسب معيشة الإنسان والحيوان والنبات وغيرها من مخلوقات الأرض؟

ثالثاً: المسافة بين الأرض والشمس والقمر.. الواقع أن هذه المسافات لم تأت بطريقة عشوائية. مثلاً الأرض تبعد عن القمر بنحو 000ر240 ميل، كما يتسبب القمر في جذب مياه المحيطات، ويبلغ مقدار المد والجزر في المتوسط نحو 30 قدماً، وفي هذا المجال يقول العالم جانس جينز: «... دعنا نعتبر أن حجم القمر بلغ من الكبر ما يماثل حجم الأرض وأن المسافة بينهما 8000 ميلاً فقط… في هذه الأحوال سيتسبب القمر في حدوث مد وجزء في مياه المحيطات، قد يصل ارتفاعه إلى مئات الأميال، مما يؤدي إلى حدوث فيضانات في مختلف قارات العالم بمعدل مرتين في اليوم الواحد. وفي حالة تساوي حجم القمر مع حجم الأرض، ووجوده على مسافة تماثل المسافة الحالية التي يبعدها عن الأرض سيبلغ المد والجزر في مياه المحيطات إلى مسافة نصف ميل».

أعزائي المستمعين:

من قدر حجم القمر؟

ومن قدر المسافة بين الأرض والقمر؟

أليس كل شيء تم بعناية وقياس؟

رابعاً: الحقيقة الرابعة التي يجدر الإشارة وإليها؛ أن القمر يعتبر واحداً من أصغر الأجسام السماوية، وقد أدى صغر حجمه هذا إلى فقده للغازات والمياه التي كانت تحيط به. والدارس للكتاب المقدس يكتشف أن الله قد خطط لذلك ليكون القمر على حالته هذه. أنظر (مزمور 19:104)

يقول الوحي: «صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. الشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا» (مزمور 104: 19).

يستنتج من ذلك أن حجم القمر قد خطط له الخالق مع بداية الخليقة حتى يكون له هذا السطح العاكس لأشعة الشمس، وحتى يمكن لسكان الأرض أن يستفيدوا من ذلك في معرفة الأوقات والأزمان بمنتهى الدقة.

خامساً: دعنا الآن نتأمل حقيقة أخرى. تقدر المسافة بين الشمس والأرض بنحو 91 مليون ميل. والآن ماذا يحدث لو كانت الأرض على مسافة 120 مليون ميل من الشمس.

يقول العلماء إن كل شيء على الأرض سوف يتجمد، ولن تكون هناك حياة بالمرة. أيضاً إذا كانت المسافة بينهما 60 مليون ميلاً فقط. فإن كل المخلوقات على الأرض لن تتحمل حرارة الشمس المحرقة وسوف تحرق وتباد ولن تكون هناك مياه على الأرض.

اليس كل شيء محسوباً بحكمة؟

فمن وضع قياسها؟

ألا ترون بحق أن كل شيء وضع بقياس وحكمة..؟!

والعجيب أن الكتاب المقدس الفريد يخبرنا في كلمتين فقط ما لم نتبين أهميته عبر آلاف السنين... ورغم الأبحاث والإجتهادات إلا أننا لم ندرك أهمية هذه القياسات التي أعد على أساسها الكون كله... أليس كتابنا المقدس الفريد الموحى به من الله جدير بهذا السبق العظيم. لنقل معا َ«ما أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. لسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مزمور 104: 24 و19: 1).