العودة الى الصفحة السابقة
القلب الموحد

القلب الموحد

جون نور


من الأمور الأساسية في الحياة المسيحية أن يكون الإنسان صاحب قلب موحد، صاحب فكر موحد، حتى يستطيع أن ينمو في المسيح، لأنه حين نهتم بأمور جيدة كثيرة نفقد الأفضل والأجود، وإليكم الأمثلة التالية:

1 - في إنجيل يوحنا 25:9 «أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ».

2 - في فيلبي 13:3 «أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ».

3 - في المزمور 4:27 «وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي».

أعلم شيئاً واحداً... وافعل شيئاً واحداً... واسأل شيئاً واحداً... هذه هي وحدة القلب المتجه إلى هدف واحد أن يعرف الله ويسير معه.

أولاً: أعلم.

أجرى المسيح معجزة شفاء المولود أعمى، وكان ذلك في يوم السبت - وقد كسر السبت في نظر الفريسيين لأنه عمل شيئاً - أولئك الكتبة والفريسيون جاءوا يقولون لذلك المولود أعمى، والذي أصبح مبصراً الآن: نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ. هم يتحدثون عن علم كاذب، فرد الأعمى عليهم قائلاً: أخاطئ هو، لست أعلم وإنما أعلم شيئاً واحداً إني كنت أعمى والآن أبصر.

وهنا نرى مواجهة بين العلم الخاطئ والعلم الحقيقي، بين العلم الجاهل وبين جهل العالم. هؤلاء الفريسيون كانوا علماء في الشريعة والناموس لكن علمهم هذا كان جهلاً. وذلك الأعمى كان بسيطاً ولم يدرس شيئاً في اللاهوت ذلك الإنسان الذي لم يتعلم قال: «أخاطئ هو، لست أعلم».

والأعمى بكلماته هذا لم يكن يقصد أنه لا يعرف إن كان المسيح خاطئاً أم لا. لكن يقصد أن ليس لي من العلم، ما أستطيع أن أقنعكم بأنه ليس خاطئاً. فأنا أمتلك حجة لا تستطيعون أن تقفوا أمامها، حجتي هي هذا الاختبار: «إني كنت أعمى والآن ابصر».

هذه هي حجة المسيحية: حجة المسيحية ليست فلسفة أو مناقشات عقلية، بل هي اختبار وشركة مع الله: إني كنت أعمى والآن ابصر، والذي أعطاني هذا البصر أنا أتبعه وأؤمن به.

هذا الأعمى تدرج في علمه، قال في بادئ الأمر حين سئل كيف أبصرت؟ قال: إنسان طلى عيني بالطين. ثم تدرج في المعرفة بعد ذلك فقال إنه نبي. انتقل من معرفة بسيطة للمسيح أنه إنسان إلى معرفة أعظم إنه نبي. وفي إيمانه بالمسيح كإنسان وكنبي لم يسجد له، وبعد ذلك التقى معه المسيح بعد أن أخرجه اليهود خارجاً، ويقول الكتاب: «إذ ذاك وجده يسوع». وقال له: «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟»؟ قال له: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟» «فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ!. فَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ!». وَسَجَدَ لَهُ» (يوحنا 9: 35 - 38).

انتقل الأعمى من علم عن المسيح أنه مجرد إنسان صالح… إلى نبي لا يخطئ. إلى الله الذي ظهر في الجسد وسجد له حين آمن به إلهاً.

هذا هو العلم الذي يحتاجه العالم أن يراه فينا، هذا هو اليقين الذي لنا أن يقول كل واحد منا {اعلم شيئاً واحداً، كنت أعمى والآن أبصر». إن مسيحيتنا لا تتركنا في شك من جهة خلاصنا أو مستقبلنا، نحن نعلم أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة... نحن نعلم أننا سنصير مثله وليس هذا ضرباً من الكبرياء من جهتنا ولكنه ثقة في إلهنا، لو أن خلاصنا يعتمد على أعمالنا ومجهوداتنا لكان قولنا هذا «نحن نعلم» غروراً وافتخاراً منا. لأن خلاصنا يعتمد على إلهنا فحين نقول «أننا» نمجد إلهنا ولا نمجد أنفسنا.

في رومية 28:8 يقول الرسول بولس: «كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ». «أنا عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ» (2تيموثاوس 1: 12).

إن كنا لسنا بعد على يقين من خلاصنا، فلنقبل المسيح مخلصاً ونلقي بخطايانا عليه ونثق أن كفارته تغفر كل خطية، وهي تضمن خلاصنا إلى الأبد، إلى التمجيد، إلى أن ندخل بيت الآب... نحن الآن ممجدون في المسيح، نحن نعلم أني كنت أعمى والآن أبصر، نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة... هذا يقين لا يهزه المتشككون. وهذه هي الحجة التي بها نستطيع أن نواجه العالم.

ثانياً: أفعل.

يقول الرسول بولس «أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ» (فيلبي 13:3).

هناك هدف لبولس وهدفه هو: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ» (فيلبي 3: 10) يقول بولس: أنا عرفته ولكن معرفتي به سطحية يمكن أن تزيد كثيراً عن ذلك. أريد أن أصل إلى ما لأجله جاء المسيح لكي يوصلني إليه، المسيح أدركني وهو يسعى لكي يصل بي إلى الصورة المعينة. وما هي هذه الصورة التي يريدنا المسيح أن نكون عليها؟ ليكون هو بكراً بين أخوة كثيرين. لنكون مشابهين صورة ابنه... هذا هو الهدف الذي وضعه بولس أمامه. بعد أن عرفه ويريد أن يصير مثله.

وفي هذا ينبغي أن يتخلى عن كل شيء يمكن أن يعطله عن الوصول إلى هذا الهدف. افعل شيئاً واحداً، إذ أنا أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما قدام، أسعى نحو الغرض؟ لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع.

هناك مكافأة وإكليل أعده لي المسيح وأنا أسعى لكي أصل إليه، هذا يشدني إلى الوراء لذلك أنسى ما هو وراء، كنت قاتلاً، مجدفاً عليه، كنت معذباً لأتباعه في الطريق - ولكني لا أعود أذكر هذا - لأن سيدي قد نسيه، لأن دم يسوع المسيح طهرني من كل خطية... فدعونا ننسى فشل الماضي لأن إلهنا لم يعطنا روح الفشل بل أعطانا روح القوة والمحبة والنصح.

إن مسيحيتنا يجب أن تكون متحركة دائمة إلى الأمام، أن نكون اليوم أكثر عمقاً ونضوجاً من الأمس وأن نكون غداً أكثر معرفة للمسيح واختباراً له مما كنا اليوم... هذه هي المسيحية أن نسعى نحو الغرض، أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام.