العودة الى الصفحة السابقة
قوة الأقلية

قوة الأقلية

جون نور


«لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ» (لوقا 32:12).

«2 وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي. فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ» (القضاة 2:7 و7).

يوضح لنا الكتاب المقدس أن القوة التي يستخدمها الله هي قوة الأقلية، وإن الله دائماً يفتش على النوعية وليس الكمية.

قبل آلاف السنين غطت موجة الشر وجه الأرض، ولكن الله ابتدأ نهضة عظيمة بواسطة رجل واحد وهو نوح وعائلته، لقد أهلك الله الأكثرية بالطوفان واستبقى الأقلية لخلق مجتمع جديد.

لقد أخرج الله إبراهيم وعائلته من عالم وثني وأفرزهم عن البقية. وخلق من تلك الأقلية شعباً مؤمناً بالله الواحد الحي.

إننا نجد في العهد القديم مثالاً روائياً رائعاً لقوة الأقلية، حدث قبل 3200 سنة، حيث نجد في الإصحاح السادس والسابع من سفر القضاة، أن الله عاقب الشعب اليهودي بالانكسار والسبي حين هجروه، فرجع الشعب إلى الله واعترفوا بخطاياهم وصرخوا إليه فاختار الرب جدعون ليكون قائدهم. فشرع جدعون بالنهضة أولاً. وابتدأ من بيته هو أولاً، ونزع كل أصنام البعل من بيته وبدأ يعبد الله الحي.

وكانت هذه الخطوة الأولى:

أما الخطوة الثانية فكانت الاستعداد:

كانت على جدعون خطوة جديدة، وهي أن يجند جيش كبير، يستطيع جلب الانتصار لشعب الله أو كنيسة الله.

فتطوع 32 ألف رجل، وانضموا تحت لواء جدعون، وما أكثر المتطوعين. الذين يتطوعون كلاماً فقط، وليس عملاً. لأنه ليس عندهم الاستعداد، نظر جدعون إلى وجوههم وتأمل في قلة عددهم بالنسبة لجيوش الأعداء، وحين تأمل في عدم كفائتهم في الفنون الحربية، استولت عليه روح الانهزامية واليأس.

فرجع إلى الله والتمس منه علامة تؤكد له أن الله معه، بالرغم من قلة عدد الجيش فأعطاه الله العلامة التي طلبها 36:6.

لكن الشيء المهم الذي أراد الرب أن يعلمه لجدعون والذي أثار استغراب جدعون أن الرب ابتدأ يعلمه درس عن قوة الأقلية.

درس يجب على كل كنيسة. وكل مؤمن أن لا ينساه على مر الأجيال.

فبينما كان جدعون يرتجف خوفاً لقلة عدد الجيش الذي عنده لمقاتلة جيوش الأعداء التي لا تحصى إذ بالرب يقول له.

إن الشعب الذي معك كثير علي لأدفع المديانين بيدهم.

تصوروا ذلك. الشعب الذي معك كثير أمام جيش لا يعد ولا يحصى.

والله يريد أن يخفض هذه القوة التي لديه. وما هو السبب «لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي».

الله طلب أقلية صغيرة، صغيرة بهذا المقدار، حتى يعلم كل إنسان أن قوة الله هي التي جلبت الانتصار وليس قوة الإنسان. كثيراً ما نفكر بأن فلسفتنا وجامعاتنا وعلومنا هي التي تعد الناس. والخدام لمجابهة العالم وأسئلة واستفسارات الناس، وليس هناك فضل للرب في ذلك بل حتى ننساه ونبقيه خارجاً.

فطلب الرب من جدعون أن ينقص جيشه بإرجاع كل من كان خائفاً ومرتعداً، لأن الله لا يقدر أن يستخدم الخائفين، فرجع من الشعب 22 ألف وبقي مع جدعون 10 آلاف فقط، المسيحي الغير حقيقي يظهر في وقت الضيقات والصعوبات وفي الاضطهاد.

بالتأكيد مشهد محزن ويثير السخرية والاستهزاء أمام العدو الذي يلاحظ حركات جدعون مع الشعب، ولكن الشيء الذي أفقد جدعون صوابه، وكان سبب لاستغرابه أن الرب طلب من جدعون مرة ثانية «لم يزل الشعب كثيراً».

يا رب عشر آلاف محارب كثير، أما مئات الألوف إنهم أقلية ضئيلة، ولا يوجد بينهم من هو مرتعد وخائف، فلماذا لا يزال العدد كبيراً في نظرك يا رب ولماذا تريد أن تنقص منهم.

الشجاعة وحدها في نظر الله لا تكفي.

هناك صفات أخرى يطلبها الرب فلا يستطيع الله استخدام العشرة آلاف رجل، إذا لم تتوفر فيهم صفة التكريس وإنكار الذات.

طلب الله من جدعون أن ينزل العشرة آلاف إلى طرف نبع الماء ويلاحظهم كيف يشربون. لأن طريقة شربهم تبين ما إذا كانوا صالحين للخدمة.

أكثرهم جثوا على ركبهم ونسوا كل شيء إلا عطشهم وشربوا، وهذا أثبت عدم صلاحيتهم. لأنهم استرخوا ولم يهتموا سوى بأنفسهم، وهؤلاء لا يركن إليهم لأنهم عبيد شهوات الجسد في الحرب المقدسة للرب.

لكن ثلاثة مائة شربوا الماء بأيديهم بينما عيونهم على الأعداء دون أن ينطرحوا على ركبهم، فقال الله: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ».

وهذه الحالة تنطبق على كنيسة اليوم، الكنيسة واقعة تحت عبودية العالم المادي الشرير الذي هو عدو شعب الله.

إيانا ثم إيانا أن نقترف وضع الأهمية على الأعداء والكمية في الكنيسة. لأن يسوع لم يستعمل هذه الطريقة حين شرع في بناء ملكوته، يسوع لم يحاول أن يربح الجمهور بل بدأ بالفرد وبولس ايضاً سار في خطوات سيده، ولم يحاول أن يبني الكنيسة على العدد الكبير. بل سار من مكان إلى آخر فأسس جماعات صغيرة من المؤمنين هنا وهناك.

كم واحد منا مثل رجال جدعون الثلاث مئة رجل، لم يكن لهم هدف في الحياة سوى إنتصار كنيسة الله على العالم.

إن حاجة الكنيسة اليوم ليست إلى الأعداد الكبيرة بل الأقلية المكرسة لله، إلى الأقلية القوية من المؤمنين المستعدين لخوض المعركة الروحية ضد قوات الفساد.

وقد دعانا المسيح بأسماء تدل على الأقلية ولكن الأقلية القوية:

1 – أنتم ملح الأرض: الملح قليل الكمية ولكنه كبير التآثير.

2 – أنتم نور العالم: والنور ينتشر تأثيره بعيداً.

3 – الخميرة المقدسة: الخميرة صغيرة لكنها تخمر العجين كله.

4 – القطيع الصغير: لا تخف أيها القطيع الصغير لان أباكم قد سر بان يعطيكم الملكوت.

5 – حبة الخردل: التي هي صغيرة في حجمها لكنها تصبح شجرة تئوي آلاف الطيور في أغصانها.

والأقلية دائماً تغلب الأكثرية إذا كانت تعتمد على الله.

فلا نحتقر أنفسنا بل نتشدد ونتشجع ولنتأكد إذا كنا مع الله يكون الانتصار حليفنا.

لا تخف أيها القطيع الصغير لان أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت.