العودة الى الصفحة السابقة
الإنتصار على الخوف

الإنتصار على الخوف

جون نور


«فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ قِائِلاً: تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا» (متّى 27:14).

الخوف أكبر عدو للإنسان، والخوف معاكس للمزايا الصالحة التي غرسها الله في نفوس البشر. لقد أسس الإنسان ديانته على الخوف منذ قبل التاريخ. فكانت ديانات البشر الوثنية مؤسسة على الخوف ووليدة الخوف.

أجساد منهوكة... عقول مضطربة... أعصاب متوترة... نفوس مريضة... أذان تعبانة من صخب الحياة وأصوات متفجراتها.

الأغلبية الساحقة من الناس خائفون. والخوف يضعف أجسامنا وينهك قوانا. ويغير طباعنا، ويشوش عقولنا... ويتلف نفوسنا.. ويتعس حياتنا.

كان الناس يعبدون الآلهة ويسترضونها ويقدمون لها الذبائح... لكي يتقوا شرها. فكان القصد من تقديم الذبائح تسكين غضب إله هائج مثل المصريين وعروس النيل. واليونانيين وعروس الوحش.

لهذا نجد منظر تماثيل الآلهة القديمة مثير ومرعب.

لقد اجتزنا واجتاز معنا كل الناس كما يجتاز الآن أهل الشرق الأوسط ظروف صعبة، وأوقات عصيبة مرعبة مفزعة. ملأت حياتنا بالخوف وهذا الخوف جعل حياة الكثيرين منا تعسة.

والسؤال المهم في هذه الظروف. هل يستطيع الإنسان أن يتحرر من هذا الكابوس ويسير في طريق الحياة غير خائف. إن ذلك ممكن وكيف.

أين سر الغلبة على الخوف؟

الخطوة الأولى للانتصار على الخوف:

1 – أن تكتشف أن الله أبوك:إن الله ليس ضدك. بل هو لك. هو لك حتى وأنت خاطي... هو مستعد لمساعدتك. وهو يعمل ليحررك من كل ما هو ضار. الله أكثر من قاض... وهو أكثر من ملك...

الله آب. ويسوع جاء ليعلن هذه الحقيقة للبشر فقال: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يوحنا 14: 9) الذي رأى يسوع رأى حنانه ومحبته، وعنايته وتواضعه وقداسته، الله هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. الله لا يتغير… الخطية لا تغير الله. بل الخطية تغيرنا نحن.

ويسوع علم أن الإنسان لن يقدر أن يكتشف أبوة الله. إلا بعد تغير حياته وتخلصه من آثامه.

أما إذا كنت ابتعدت عن الله فلن أعرف إنه أبي. بل أشعر إنه عدوي وانا ضده. كن مع الله يكن الله معك. ومتى علمت أن الله لك ومعك. وأنه هو أبوك السماوي. تكون قد اكتشفت حقيقة عظمى، ولن تعود تخاف من الله، ولن تهرب منه. بل تنطرح على ذراعيه.

كما ينطرح الطفل في أحضان أمه وتنظر إلى وجهه، وتسمع صوته يقول: «إني أنا هو لا تخافوا...» إني أنا هو لا تخافوا.

سيدة وزوجها كانا مسافرين على سطح سفينة فهبت عاصفة هوجاء أخذت تتلاعب بالسفينة كالريشة في مهب الريح. فأمسكت الزوجة بكلتا يديها بأحد الأعمدة لتحفظ نفسها من السقوط. وكان خوفها بالغاً حد الوصف، فسألت زوجها وشفتاها ترتجفان رعباً، ألست خائفاً. فلم يجبها على سؤالها. ولكنه أستل سيفه ووضع رأسه المدبب على قلبها وقال لها ألا تخافين.. أجابت لا.

قال لها ولماذا.. ألا ترين السيف يلامس صدرك أجابت.. نعم ولكني لست خائفة لأن السيف بيد زوجي.

فقال لها وكذلك أبي السماوي. هو الذي يمسك الزوبعة ويمسك حياتنا. ومستقبلنا لذلك أنا لست خائفاً.

الخطوة الأولى للانتصار على الخوف أن تكتشف أن الله أبوك. أما الخطوة الثانية للانتصار على الخوف:

2 – أن تكتشف القصد الحقيقي من الحياة:

ما هي الغاية من الحياة. لماذا أنا هنا.. ما هو هدفي في الحياة؟

البعض يجعلون من (الصحة) غايتهم في الحياة. لذلك نخاف من المرض... ومن الشيخوخة، نخاف أن نفقد الصحة التي نتمتع بها.نخاف من الفقر... ومن العوز، ونخاف أن يهجم على أبوابنا ذئب الفاقة، وما أكثر الذين ملأ هذا النوع من الخوف حياتهم.

البعض منا يجعلون (السعادة) غايتهم في الحياة. لذلك نخاف أن نفقد سعادتنا. نخاف أن يحدث ما يعكر صفو حياتنا... نخاف أن يقرع أحد باب بيتنا ومعه برقية أو خبر يحمل لنا أنباء مزعجة.

وبما أننا نجعل (الصحة والثروة والسعادة) هدف حياتنا، لذلك نسير في طريق الحياة خائفين. هذه ليست غاية الحياة الحقيقية إنما غاية الحياة هو النمو في معرفة الله والتشبه به، ومتى كان لنا هذا الإيمان وهذه الغاية لا نعود نخاف شيئاً. لا نعود نخاف حتى من الموت نفسه. وكثيرون منا يحملون أفكار وثنية عن الموت.

ليتنا نرجع إلى المسيح لنعرف فكره عن الموت. فنجد أنه يقول لنا أن الموت يأتينا حينما تصبح أحمال الحياة أثقل مما نستطيع أن نتحملها فيريحنا منها، ويقتادنا إلى الحياة الخالية من الأحزان والآلام والأسقام والموت. وهل للموت سلطان على المؤمن، كلا فقد صرخ بطرس متحدياً الموت.أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية، شكراً لله الذي يعطينا الغلبة أي الغلبة على الموت بربنا يسوع المسيح.

كيف تنتصر على الموت وعلى الخوف

1 – أن تكتشف أن الله أبوك.

2 – أن تكتشف القصد الحقيقي من الحياة.

3 – وأخيراً أن تقبل ما جاء به يسوع.

ما الذي جاء به يسوع: جاء يسوع ليمنحني ثلاث أمور:

حياة – وسلام – ومحبة.

1 – حياة: قال «أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا 10: 10). وألم يكن لهم حياة قبل أن يأتي يسوع. كانوا يحيون بالجسد، ولكن ليس بالروح الذي أعطاه يسوع. أنت تحيا وأنت تحيي ولكن هل تحيا حياة يسوع.

يسوع يعطي حياة تشق الصعاب. كالنبتة التي تشق نفسها بين الصخور، هذا ما تفعله الحياة التي يعطيها يسوع. يجعلك بها تتغلب على الظروف والصعاب والآلام.

جاء يسوع لكي يمنحنا:

2 – سلام: وليس السلام الميكانيكي سلام هذا العالم المبني على الظروف بل سلام يسوع نفسه الذي كان به وفيه ذلك.

السلام الحقيقي سلام الله «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ» (يوحنا 14: 27).

وجاء يسوع لكي يمنحنا:

3 – المحبة:

وهذا المبدأ الوحيد الذي يبني عليه المسيح العالم الجديد، عنده قانون واحد ومبدأ واحد المحبة لأن الله محبة.

هذه الأمور التي جاء يسوع ليمنحنا إياها. فلنقبلها بلا خوف. يسوع هو الذي يشفي النفوس من مرض الخوف فيعطي القلب الذبلان الخاطي حياة. والقلب المنزعج... سلام والنفس المعذبة… محبة. واترك معكم في الختام كلمات النبي داود مزمور 3:56 «فِي يَوْمِ خَوْفِي، أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ» على الله توكلت فلا أخاف ما يصنعه بي البشر.