العودة الى الصفحة السابقة
لا أخرجه خارجاً

لا أخرجه خارجاً

جون نور


«مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا» (يوحنا 37:6).

كان يسوع يكرز في السهل الواقع شرقي جنيسارت ويصنع العجائب، فكان العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والموتى يقومون.

فحينما كانت الجموع جائعة وهي على الجبل أشبعهم يسوع، ولكنه بعدما أشبع أجسادهم الجائعة أخذ يغذيهم من خبز الحياة، كان بعضهم يطلبون آية أو عجيبة.

وبعضهم يطلبون شفاء أمراضهم. وبعضهم يطلبون الخبز لسد جوعهم.ويسوع لم يرفضهم لمجرد مطاليبهم المادية بل أخذ يصرح لهم قائلاً كل من... «يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا».

هل هذا صحيح؟

هل قصد المسيح ذلك بالفعل - أم هو على سبيل المبالغة في الشيء.

هل قصد أنه يقبل كل من يأتي إليه مهما كان، إن يسوع يقصد ما يقول بالتمام، وليس في الأمر التباس وغموض وإبهام.

1 - ولكن يا رب لو جاء إليك رجل مجرم سفاك دماء، وقد قتل نفوساً بريئة، فهل تقبله إذا رجع إليك تائباً؟

- نعم إني أقبله لان الخطية لا تقدر أن تحجز رحمة الله نحو الإنسان.

- ولكن هل يوجد وعد عندك لمثل هذه الفئة من الناس يا رب.

- نعم «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ» (إشعياء 1: 18).

ولكن هل يوجد عندك مثال يثبت لنا صحة ذلك، هل أقبل إليك شخص مجرم وقبلته.

- نعم داود كان قاتلاً وزانياً، فتاب إلى الله قائلاً: «اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ» (مزمور 51: 1). وهل استجاب له الله... نعم وهذا ما قاله عنه: «هذا الرجل المسكين صرخ وسمع الرب لصلاته، وخلصه من كل ضيقاته».

2 - ولكن يا رب إذا أقبل إليك إنسان كان قبلاً يتظاهر بالتوبة، ولم يكن في قلبه محبة خالصة لك، ولم يشعر بفظاعة الخطية بل جاء إليك ليهرب من عذابات الجحيم فهل تقبل إنساناً كهذا.نعم يقول الرب إني اقبله ولا أخرجه خارجاً. وما هو الوعد لمثل هذا يا رب؟ إني لا أشاء موت الخاطئ بل بالحري أن يرجع عن شره فيحيا. و هل في الكتاب المقدس مثال لذلك؟

إن قصة الابن الضال ترينا بأجلى بيان قبول الله لمثل هذه الفئة من الناس فقد عزم الابن الضال الرجوع إلى بيت أبيه لسببين:

أ - لأنه عرف فقره وحاجته.

ب - لأنه تأمل في غنى أبيه وثروته.

وبينما كان ذلك الشاب جالساً في زريبة الخنازير بثيابه الرثة وجسمه الهزيل وحالته التعسة أخذ يتأمل في غنى أبيه فنهض وهو يقول: «أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ» (لوقا 15: 18). وهل قبله أبوه؟

لنسمع ما يقول الكتاب المقدس «وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ» (لوقا 15: 20).

وانظروا الأب يقول: «قَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ» (لوقا 15: 23 و24).

3 - ولكن يا رب إذا أقبل إليك إنسان قد أدمن على الخطية وداوم على اقترافها حتى تأصلت في حياته.

ومع أنه قرأ كتابك المقدس وسمع مواعظ كثيرة وحضر اجتماعات دينية عديدة لكنه لم يتب بل استمر في عمل الشر حتى اصبح قلبه قاسياً كالصخر لا يتأثر من التوبيخ والإرشاد وأصبح ضميره ميتاً لا يؤنبه.

فهل تقبل مثل هذا إذا أقبل إليك تائباً؟ نعم... إني لا أخرجه خارجاً. وما هو الوعد لمثل هذا الإنسان: «إنه قادر أن يخلص إلى التمام جميع الذين يأتون إلى الله به».

ومعنى هذا أن يسوع يخلص الإنسان في آخر سنة من حياته أو آخر برهة من حياته.

وهل هناك مثال لذلك؟

اللص على الصليب: وهو معلق بين الأرض والسماء بين حي وميت صرخ قائلاً: «اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لوقا 23: 42).

وماذا كان جواب يسوع: «هل رفضه» كلا... بل أنعش نفسه بوعد قطعه قائلاً: «الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ» (لوقا 23: 43).

4 - ولكن هل تقبل المرتد إذا أقبل إليك هل تقبل إنسان ارتد عن الإيمان وذاق طعم الخلاص.

نعم.. وبطرس أحسن مثال على ذلك فقد قال: «يا رب لو تركك الجميع لا أتركك». وبعد ساعات قليلة أشارت إليه الخادمة وقالت وأنت أيضاً كنت مع يسوع ولكنه أنكره مرة ومرتين وثلاثة بأقسام ولعن «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» (متّى 26: 74). ولكن يسوع يتقابل معه بعد القيامة ويقول له: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» «ارْعَ غَنَمِي» (يوحنا 21: 16) فإذا وجد رجاء لخلاص بطرس المرتد يوجد رجاء لجميع الناس «إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ» (1يوحنا 2: 1).

- ولكن يا رب إن قبلت هؤلاء جميعاً هل تقبل الذي يرتكب الخطية التي لا تغتفر.

هل تقبل الذي يخطئ ضد الروح القدس؟هل تقبل الذي يرفض المسيح مخلصاً له؟

نعم إني أقبله إذا رجع وتاب توبة خالصة لأن «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يوحنا 1: 7).

وهل قبلت أحداً مثل هؤلاء؟ نعم هوذا شاوول الطرسوسي. كان شاباً غيوراً مملوء من التعصب الديني والخرافات اليهودية وكان ضميره قاسياً فاضطهد أولاد الله وأخذ يسجنهم ويقتلهم.

ومع أن ضميره وبخه مرات كثيرة حين رأى مشاهد مؤثرة كموت استيفانوس وهو يرجم ولكنه لم يرتجع بل استمر في حربه على المسيحيين ولكن الله أوقفه بنور ساطع بهر نظره وهو مسافر إلى دمشق وكلمه هناك.

فأجاب بولس: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (أعمال 9: 6) ومنذ تلك الساعة تجدد بولس وبقى أمين لسيده إلى حين موته حينما قطع رأسه في رومية. بعد أن قال: «جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ» (2تيموثاوس 2: 7 و8). هل تقول الآن «أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ...» (لوقا 15: 18)...».