العودة الى الصفحة السابقة
قيامة المسيح

قيامة المسيح

جون نور


«إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ!... وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ» (1كورنثوس 17:15 – 20).

إن موت السيد المسيح لم يكن أمراً عارضاً، بل كان حسب المقاصد الأزلية، فقد صار، وهو الإله، إنساناً ليموت عن الإنسان وقد أكمل يسوع الفداء على الصليب وكانت القيامة إعلان الله الآب عن قبوله الكامل لعمل المسيح الذي أتمه على الصليب. لذلك يقول الرسول بولس: «الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رومية 25:4).

فبتجسد المسيح، وموته على الصليب بإرادته، وقيامته الذاتية من الموت، أعطى كل خاطئ الحق أن ينال مجاناً بالإيمان صك الحرية والخلاص من عبودية الخطية والموت، وقبول الدعوة للحياة الأبدية.

لأن موت المسيح لم يكن إلا ذبيحة حب إرادية وكفارية تحمل في مضمونها قوة الموت عن الآخرين وقوة قيامة الآخرين معه، لأنها ذبيحة حية ومحيية.

فالصليب بالنسبة للمسيح ليس آلة موت وتعذيب، بل كان في أعماقه أداة بذل، بدافع حب فدائي. وبهذا صار الصليب مصدر فرح لكل من أدرك سر الغفران الذي فيه، بل سر الحب الإلهي «الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية 2: 20).

فلم يكن الفداء مجرد أن يدفع المسيح ثمن خطايانا البشرية وحسب أو مجرد أن يرفع غضب الله عن العصاة الذين صاروا عبيداً للإثم وحسب ولكن الفداء كان يعني في خطة الله في الدرجة الأولى شيئاً فوق الغفران والمصالحة وهو أن يعيد الحب والحياة الأبدية للإنسان التي فقدها بالتعدي والانفصال عن الله. فالمسيح بقيامته حياً منتصراً على الموت فتح الباب ولأول مرة وإلى الأبد لدخول الإنسان مرة أخرى إلى ملكوت الله أي الحياة الأبدية بعد أن دفع ثمن خطايانا على الصليب.

فالقيامة تكشف لنا عن الدافع القوي الذي وراء الصليب.

فالمسيح أخضع نفسه للموت مع إنه غير خاضع له البتة، فكان من المستحيل أن يمسك في القبر – فالقيامة هنا جاءت لتؤكد موته الإرادي. وما كان للقبر أن يضم بين جنباته مصدر الحياة، ولا للموت أن يمسك رب الحياة.

إن قيامة الرب يسوع من القبر، وانتصاره على الموت والجحيم قد وصلت بعمل الخلاص إلى ذروة القوة. إن القيامة هي برهان العمل الخلاصي للإله المتجسد.

فالقيامة هي البشارة الأبدية التي نادى بها الرسل وتنادي بها الكنيسة معلنة هذه البشارة المفرحة للعالم كله.

ويعلن لنا الرب نفسه في سفر الرؤيا: «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤيا 17:1 و18).

وفي قيامة السيد المسيح نلاحظ أنه:

قام بإرادته: ولم يقم بإرادة غيره ولا بدعاء آخر ولا بصلاة تلاميذه.

وقام قوياً: فالقيامة أعلنت قوة لاهوته إذ لم يقم ضعيفاً يحتاج إلى من يحمل له الأكفان ويفكه مثل لعازر.

ولم يمت بعد قيامته: فكل الذين ماتوا قبله سواء أقامهم هو أو أحد الأنبياء رجعوا فماتوا مرة أخرى (يوحنا 28:5 – 29) أما هو فقيامته لا موت بعدها.

قام بجسد ممجد:

كل الذين قاموا من الأموات قاموا بنفس الجسد المائت القابل للفساد. أما السيد المسيح فقام بجسد ممجد غير قابل للفساد.

فقوة القيامة كشفت وأعلنت عن سر الحب الذي كان في قلب المسيح إلهنا المصلوب من أجلنا. فالذي قام بإرادته، والذي له القوة الذاتية أن يقيم ذاته من الموت هو ذاته الذي قبل من أجلنا وبإرادته آلام الصليب واحتمل الضعف ومات عن الجميع، لكي يعبر بنا من الموت إلى الحياة الأبدية.

فلم يكن المسيح ضعيفاً حينما صُلب... لأنه لم يكن ضعيفاً بعدما مات... ولكنه أسلم ذاته من أجلنا حتى الموت موت الصليب.

فالقيامة هنا أكدت، أن المسيح قد مات بإرادته.. وقام بقوته الذاتية.

الصليب تم استرضاء العدل الإلهي وإيفائة حقه ولكن بالقيامة أمكن للإنسان الدخول في دائرة حب الله. فالصليب أخرجنا من مملكة إبليس والقيامة أدخلتنا إلى ملكوت الله. الصليب أنقذنا من الموت والقيامة أعطتنا الحياة.

فلو لم يقم المسيح لكان الصلب عقوبة والصليب عقاباً.

ولو لم يقم المسيح لكان مهزوماً من الموت وليس هازماً له.

ولو لم يقم المسيح لصارت حياتنا في المسيح صليباً بغير قيامة.

ولو توقفت حياة المسيح إلى هذا الحد لانعدم الأمل والرجاء عند كل منا «وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ» (1كورنثوس 14:15) لكن بالقيامة أحب المسيحيون الصليب ونظروا إليه بمنظار القيامة.

وقيامة المسيح هي التي جعلت الشيطان يرتعب من الصليب.

ولو لم يقم المسيح ما أمكن للتلاميذ أن يكرزوا مطلقاً أو أن يظهروا المسيح المصلوب للعالم أجمع «لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا» (1كورنثوس 2: 2)، ذلك أنهم رأوا في الصليب طريقاً يؤدي إلى القيامة فنادوا وقالوا: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (فيلبي 3: 10).

إن سر حياة المسيحية، وقوة المسيحيين، ورجاء المؤمنين وثبات الكنيسة مدى الأجيال، إنما هو في المسيح القائم من الأموات والذي صار باكورة الراقدين.

هذا هو الإيمان الذي يعمل في قلوبنا أن نسعى لندرك الذي من أجله أدركنا المسيح، ونحيا على هذا الرجاء المبارك. رجاء المجد الذي أعده لنا بقيامته، ودخل إلى الأقداس السماوية سابقاً لنا.

فالمسيح إلهنا قام من الأموات، وداس الموت بموته، وكسر شوكته، وأشرق بنور قيامته على الجالسين في الظلمة وظلال الموت.

«مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ» (ابطرس 3:1 و4).