العودة الى الصفحة السابقة
يسوع معلم الحياة

يسوع معلم الحياة

جون نور


«هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ» (يوحنا 3: 2).

كان يسوع معلماً وكان تلاميذه باستمرار يدعونه كذلك. لقد كان معلماً صالحاً إذ قال لتلاميذه: «أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ» (يوحنا 13: 13) وعندما كان يعلم كمن له سلطان.

كان موضوع تعليمه هو البشارة بملكوته وكان أسلوب تعليمه أسلوباً خاصاً مؤثراً وتظهر قوة تعليمه في حيوية تعليمه. وحديثنا عن المعلم يسوع يتركز في ثلاث نقاط:

أولاً – معلم الحياة وما يميزه:

يتميز هذا المعلم بأنه مانح الحياة: يقول: «أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ» (يوحنا 10: 10) فلا حياة بدونه قال له نيقوديموس: «نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا» (يوحنا 3: 2). إن مدرسة المعلم لا يدخلها إلا الأحياء فكل الذين يعيشون خارج المدرسة هم أموات كما يقول الآب عن ابنه الضال: «ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا» (لوقا 15: 24). فهم أموات بالذنوب والخطايا كم من أناس يتم فيهم القول: «أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ» (رؤيا 3: 1)، أما تلاميذ مدرسة المعلم فقد نالوا حياة من شخصه لأن تعليمه هو روح وحياة في (يوحنا 3) نجد أن شهادة القبول في هذه المدرسة مكتوبة بدم المسيح ومختومة بختم الروح القدس.

ويتميز هذا المعلم بأنه مرشد لطريق الحياة .كم من أناس أرادوا أن يعرفوا الطريق للحياة. فداود يقول: «عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ، وَاهْدِنِي فِي سَبِيل مُسْتَقِيمٍ» (مزمور 11:27) وهو أيضاً يقول: «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ» (مزمور 51: 10).أما إشعياء فإنه يصرخ ويقول: «مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 6:53) وإرميا ينادي: «قِفُوا عَلَى الطُّرُقِ وَانْظُرُوا، وَاسْأَلُوا عَنِ السُّبُلِ الْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ الطَّرِيقُ الصَّالِحُ؟» (إرميا 6: 16). لكن شكراً لمعلمنا لأنه يقول: «أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ» (مزمور 32: 8)، إن هذا الطريق يبدأ عند الصليب وينتهي بالمجد وهو مرشوش بالدم ومرصوف بالمحبة.

وهو معلم يتميز بانه منكر لذاته: من طبيعة المعلمين حب العظمة لكن معلمنا المحب قيل عنه في يوحنا 13: 1 - 3: «وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ... وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي» أي أنه وهو يعرف مركزه جيداً، قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ثم صب ماء وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة. لقد كان المسيح يخدم تلاميذه باستمرار ويجهز لهم طعامهم حتى بعد قيامته (يوحنا 21) وقد قال لهم: «تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ» (يوحنا 11: 29).

وهو معلم مميز في كلامه وصمته قال هو عن كلامه: «اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ» (يوحنا 6: 63). وقد شهدوا عنه، «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!» (يوحنا 7: 46). لقد انسكبت النعمة على شفتيه. كان كلامه سماوياً لم يذكر الكتاب أن صوته كان مرتفعاً أو أنه تكلم بالسجع، لكن كلامه كان مؤثراً، وتميز بالبساطة والصراحة، نعم «اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ» (يوحنا 3: 31). لقد كان يتكلم كأقوال الله وكلامه كان يهب الحياة، فليتنا نقول له: «تَكَلَّمْ يَا رَبُّ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ» (1صموئيل 3: 9) ثم لنتأمله في صمته، كان لا يهتم بأقوال البعض أو يجيب على أسئلتهم، فلما سأله هيرودس لم يجبه بشيء وكذلك فعل مع رئيس الكهنة الذي سأله بعدما قام البعض بتقديم شهادة زور ضده. ويقول عنه إشعياء « كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا» (إشعياء 53: 7) كان يصمت حين يرى أن الكلام مضيعة للوقت، فانطبق عليه القول: «تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ، كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا» (أمثال 25: 11).

ثانياً: معلم الحياة ومنهج تعليمه

لكل مدرسة منهجاً يقدمه معلمها، وهذا المنهج هو:

منهج هذا المعلم للجميع، يقدم للصغار اللبن العقلي لينموا به، وللكبار الطعام القوي الذي يقدم للبالغين.

ومنهجه بلا قياس ولا حدود، كل مناهج المعلمين لها حدود أما منهجه فإنه حسب قياس هبة المسيح، وحسب قياس قامة المسيح، نعم إنه نهر سباحة لا يعبر. يقول لتلاميذه في يوحنا 21: 10: «قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ». إنه يريد لنا اختبارات جديدة حتى نتقدم في منهجه باستمرار. ومنهجه يجب أن ينطبع في حياتنا كما تنطبع الصورة على اللوح الحساس داخل آلة التصوير. ليتنا نستمر ناظرين إليه حتى نتغير إلى تلك الصورة عينها.

ومنهج هذا المعلم مضبوط التوقيت. أغلب المعلمين لا يجيدون توزيع مناهجهم على شهور السنة، لكن يسوع يضبط توقيته. ساعات البشر إما أن تقدم أو تؤخر أما يسوع فإنه يقول لتلاميذه «إِنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ» (يوحنا 6:7) فالرب في وقته يسرع به.

ثالثاً: يسوع المعلم ونتيجة تعليمه

إنه ضامن لنتيجته إذ يتحدى أبواب الجحيم ويضمن نتيجة تلاميذه فيقول: «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي... أُعْطِيهَا حَيَاةً... وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا 10: 27 و28). إن المسيح لا يمكن أن يفرط فينا لكنه يضمن نتيجته للأسباب الآتية:-

انه يشجع المجتهدين: شجع بطرس ويعقوب ويوحنا في مواقف كثيرة، كما شجع مريم المجدلية إذ أظهر لها ذاته بعد القيامة، وشجع تلاميذه حتى أنهم قهروا ممالك صنعوا براً، نالوا مواعيد.

وهو يؤدب المنحرفين: فكما أنه يشجع المجتهدين فإنه أيضاً يؤدب المنحرفين لو حكمنا على أنفسنا لما حكم علينا، ولنذكر أن تأديبه قد يصل إلى هلاك الجسد لتخلص الروح في يوم الرب.

وهو سند ومعين للضعفاء والمساكين: في لوقا 8: 40: يصرخ التلاميذ قائلين: «يَا مُعَلِّمُ، إِنَّنَا نَهْلِكُ!» فينقذهم في الحال. لقد كان قدوساً قبل أن يتكلم عن القداسة ووديعاً قبل أن يتكلم عن التواضع وعطوفاً قبل أن يتكلم عن المحبة، وخادماً للجميع قبل أن يتكلم عن الخدمة.

إن يسوع معلم فريد لا مثيل له، له يشهد جميع الأنبياء وله تشهد كل الأجيال، لأنه «مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ» (نشيد الأنشاد 5: 10).