العودة الى الصفحة السابقة
شخصية يونان…

شخصية يونان…

جون نور


اختلفت الآراء بخصوص هرب يونان من وجه الرب عندما دعي لينادي على نينوى.

فمنهم من قال: أنه جبان خاف من قساوة الشعب المرسل إليه. ومنهم من قال: إنه كان شجاعاً خاطر بنفسه لأجل سلامة أمته. ومنهم من قال: أنه كان يهودياً متعصباً لم يشأ أن يتعامل مع الوثنيين عبدة داجون.

قد لا نستطيع أن نجزم في السبب الحقيقي لفراره، لكننا نستطيع أن نؤكد أنه كان في هربه عامداً متعمداً. فالرب أمره أن يذهب شرقاً أما هو فذهب غرباً والرب أمره أن يذهب براً أما هو فذهب بحراً. والرب أمره أن يذهب إلى نينوى أما هو فذهب إلى ترشيش. والرب أمره أن يذهب قريباً أما هو فذهب بعيداً.

فماذا كانت النتيجة؟ وماذا حدث بعد ذلك؟ بالنسبة ليونان كان:

1 - هبوط روحي: وقد ظهر هبوطه الروحي هذا أولاً بعصيانه على الله. فالله قال له: «قُمِ اذْهَبْ...» (يونان 1: 2) «فَقَامَ يُونَانُ...» (يونان 1: 3) ولكن بكل أسف لا لكي يذهب حسب أمر الرب بل «قَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ...» (يونان 1: 3) ما أقبح هذه الخطية وما أمر نتائجها.

يونان يسقط ويجلب على نفسه وغيره الويلات. فحذار يا أولاد الله!

ثم ظهر هبوطه أيضاً في عدم إيمانه. فأين الإيمان في هرب يونان؟! «فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ... مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ» (يونان 1: 3). فهل الله موجود في نينوى؟ أو هل الله موجود في الجليل فقط؟ أم هل الله موجود في فلسطين فقط؟ أم هل الله موجود في البر دون البحر؟

يظهر أن يونان نسي أو تناسى أن الله يملأ السماوات والأرض. ويظهر أن يونان نسي أو تناسى المزمور 7:139 - 10 الذي يقول: «أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ،فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ».

فهرب إنسان من وجه أي إنسان ممكن وهرب إنسان من وجه أي جيش ممكن.

أما هرب إنسان من وجه الله - غير ممكن ومستحيل.

2 - وظهر هبوط يونان أيضاً في نومه في جوف السفينة. كان هبوطه هذا تدريجياً على غرار هبوطه الروحي الداخلي. نزل من يافا إلى السفينة ومن يعزم على الهرب من الرب يوفر له الشيطان جميع وسائل النقل. ونزل من السفينة إلى جوف السفينة ونزل من جوف السفينة إلى جوف الحوت. ونزل وهو في جوف الحوت إلى جوف البحر ونزل من جوف البحر إلى أسافل الجبال.

هذه أصعب حالة يمكن أن يصل إليها إنسان. لذلك عندما سأله البحارة عما ينبغي أن يفعلوه به شعر أنه صار «خرج كب في البحر» فقال لهم: «خُذُونِي وَاطْرَحُونِي فِي الْبَحْرِ...» (يونان 12:1) بعبارة أخرى شعر، كما صرّح فيما بعد، أن موته خير من حياته.

كان ملاحو السفينة من الفينيقيين الذين عرفوا منذ القديم بكونهم تجاراً وبحارة ماهرين. فلا غرابة إذاً إن كانت السفينة مملوءة بالشحنات والأمتعة الثمينة. فلما حدث النوء العظيم - غير الاعتيادي - على أثر عاصفة مجنونة خاف جبابرة البحر وهرعوا إلى شحناتهم يطرحونها بما فيها إلى البحر غير آسفين عليها لعلهم ينجون. لكن مجهوداتهم باءت بالفشل، وكانت خسارتهم فادحة جداً. كل هذا كان بسبب إنسان يغط في نوم عميق اسمه يونان (يونان 1: 5).

من المحزن حقاً أن يصبح المؤمن خطراً لا خيراً. فوجود يونان كان بلية عليهم فالسفينة كادت تنكسر. والركاب كادوا يموتون. والملاحون كادوا يهلكون. أضف إلى ذلك أنه، بهربه وإهماله، عرَّض نينوى للانقلاب وأهلها للعقاب. ومن يدري؟ وهل يسكت الله؟

عن المؤمن النائم. وعن المؤمن الفاتر؟ وعن المؤمن المهمل؟ وعن المؤمن الهارب؟

كلا، وألف كلا. بل سيهزه هزاً عنيفاً… وسيزداد الهز عنفاً إلى أن يستفيق من سباته ويرجع إلى نفسه. هذا ما فعله الرب بيونان: أرسل ريحاً عظيمة. ونوءاً عظيماً (4:1 و 13:11).

وهز لا السفينة فقط بل يونان وقلب يونان وكيان يونان. إن كنت عزيزي المستمع في حالة أشبه بحالة يونان اسمع ما تقوله كلمة الرب: «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ...» (رومية 13: 11).

«اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ...» (أفسس 5: 14).

الله أعد حوتاً عظيماً ليبتلع يونان وليريه أنه - أي الله - قادر أن يستغني عنه وعن خدماته لو أراد ذلك. لأن الله لا يقبل أياً كان أن يكون خادماً له. فالذي يرفض هذا الامتياز سيرفضه الله من الخدمة لا من الخلاص. ألم يقل بولس: «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا» (من الخدمة) (1كورنثوس 9: 27). الحق يُقال إن كثيرين ممن لم يقدروا هذا الامتياز استغنى الله عن خدماتهم. لكن شكراً للرب. فمع إنه كان باستطاعته أن يرفض يونان نهائياً لكنه أعطاه:

3 - فرصة عظيمة: «وثُمَّ صَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً قَائِلاً: قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ...» (يونان 3: 1 و2) لكن متى؟ عندما اعترف للرب عندما تاب للرب عندما سلم للرب.

عزيزي المستمع! كل ما كتب كتب لأجل تعليمنا... وكل ماأصابهم كان لإنذارنا...

فاتعظ واعتبر لئلا تقع في ما أنت بغنى عنه.