العودة الى الصفحة السابقة
الشخصية التي لا تنسى

الشخصية التي لا تنسى

جون نور


«فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي» (يوحنا 37:18).

«الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا» (يوحنا 1: 14). والأناجيل الأربعة تدور حوادثها وتعاليمها حول تلك الشخصية الإلهية، الكلمة المتجسد الذي حل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً، وهذه الشخصية هي التي تربط تلك الأناجيل معاً برباط وثيق فما قاله منقوش على صفحات هذه الكتب الإلهية وهي أيضاً سجل ذهبي لأفعاله. ووراء أقواله وأفعاله تلك الشخصية التي لا تضاهى فلننظر إلى تلك الشخصية العجيبة بالنسبة لسيادتها على نفوسنا.

1 – إن سيادة يسوع تظهر من شخصيته الفريدة التي هي تسمو على كل شخصية:

فالمقياس الأدبي والاخلاقي الذي يقيس به الناس ذواتهم ويقيسون الآخرين أيضاً به إنما هو شخصية يسوع وحياة يسوع – كثيراً ما تقاس الشخصيات العظمى بحياة يسوع فيقولون مثلاً: إن حياة الزعيم الراحل غاندي كانت تشبه حياة يسوع مع وجود الفارق. وهذا دليل إن شخصية يسوع تسمو كثيراً عن العالم الوثني حتى ولو لم يسلم هذا العالم الوثني حياته ليسوع.

2 – كذلك نشعر بسيادته علينا بالنسبة لتأثيره الشخصي فينا وهذا التأثير يظهر:

أولاً: بكونه مسيحاً منبهاً للعداوة:

إن قوة تأثير شخصية يسوع تظهر بالعداوة المريرة التي كانت سبباً في إثارتها.. إن ذلك الجليلي يهيج الشعب بما فيهم الرعاع وقادة الدين ورؤساء الشعب والحكام والجند وانتهى ذلك الهياج بمشهد الصلب الأخير في القدس. فمن سبب كل ذلك..؟ سببه شخص يسوع. كان بإمكانهم أن يهاجموا تعاليمه ويمنعوا الشعب من الإصغاء إليها وأن يبعدوا الناس عنه وعن مشاهدة عجائبه ورؤية أعماله، ولكن كان عليهم أن يمسكوا شخصه ويظفروا به ويتخلصوا منه كما قال رئيس كهنتهم متنبئاً: «خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!» (يوحنا 11: 50). وكثيراً ما تقاس شخصية المرء وقوة تأثيره بشخصية أولئك الذين يخافون مواجهتهم علانية. أولئك الذي وفيما هم يحيونه وينحنون أمامه بالسلام والخضوع يطعنونه من الوراء، أولئك الذين يقبلونه بالوجه ويبيعونه بثلاثين من الفضة وبضدها تتشابه الأشياء.

كذلك نشعر بسيادته علينا بكونه:

ثانياً: مسيحاً مغيراً للحياة: إننا لا نستطيع أن نتهرب من هذه الحقيقة وهي أن الرب يسوع قد غير حياة الكثيرين من الذين كانوا في الدرك الأسفل فرفعهم إلى مرتبة أعلى.

فبطرس واندراوس ويعقوب ويوحنا كانوا جميعهم صيادي سمك في الجليل يصطادون السمك ليلاً ويبيعونه نهاراً وبعد ذلك ينامون حتى الغروب أو يصلحون شباكهم ثم يعودون للصيد مرة أخرى تلك الجماعة المحترقة وجوههم من شمس طبريا اللاذعة والمفتولة عضلاتهم من كثرة التجديف ومقاومة التيارات والعواصف يدعوهم يسوع ليصيروا صيادي الناس فيتركون شباكههم ووالديهم وأولادهم أو لنقل بلغة بطرس ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك ولكن ماذا حدث لهم.. لقد رفعهم يسوع إلى أعلى المراتب وخلد ذكرهم في الكتاب المقدس إلى أبد الدهور.

متّى العشار يمر به يسوع في مكان الجباية فيدعوه لاتباعه فصار متّى البشير.

ومريم المجدلية يخرج منها سبعة شياطين فتصبح من أخلص تابعيه وتصبح أول مبشرة بقيامته المجيدة. وزكا العشار تقع عليه عين «يسوع» وهو فوق الجميزة فيقول له: أنزل يا زكا لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك، فحصل خلاص لذلك البيت.

إن يسوع وحده فقط يستطيع أن يصنع من أقذار سدوم جواهر للسماء وهو وحده ولا غيره الذي غير أوغسطينوس الشاب وصيره قديساً تقياً.

كذلك نشعر بسيادته علينا بكونه:

3 – مسيحاً واهباً الإقدام: إن تاريخ الإرساليات المسيحية في العالم اليوم شاهد صريح على هذه الجرأة المسيحية والمخاطرة والإقدام في سبيل نشر بشرى الخلاص، أنظروا إلى مجاهل أفريقيا والجزر والمحيطات البعيدة، الذين فتنوا المسكونة برسالة الإنجيل ولا شك أن هذا الإقدام سيستمر حتى تعم البشارة جميع أقطار المعمورة. «فتَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ» (فيلبي 2: 10).ويعترف كل لسان بأنك أنت الإله الرب ويسوع المسيح الذي أرسلته...

4 – ثم نشعر بسيادة يسوع علينا عندما نفكر به كمغير لوجه التاريخ:

إن ظهور يسوع تاريخياً يجعله في مرتبة عالية جداً من الأهمية لأنه لم يكن عبارة عن سطور أو خيال أو شخصية وهمية، لقد جربه التاريخ وخبر مبادئه وتعاليمه وقد واجه مشاكل الحياة وسبق جيله وعصره وتخطى حدود التاريخ مما يحملنا أن نهتف عالياً لملك الملوك ورب الأرباب… وهذه الآية الكريمة التي لا تزال محفورة باللغة اليونانية فوق عتبة الجامع الأموي في الشام: ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك إلى كل دور فدور.

فإذا ما سؤلنا عن مادة وقوام الإيمان المسيحي. علينا أن نشير إلى شخصية يسوع الذي سبق فخبر عنه الأنبياء وعرفته الأناجيل وفسرته الرسائل. وأظهرته قلوب وحياة وسيرة تابعيه من المؤمنين.

هل يمكن أن يوجد شخص أفضل من يسوع؟ وهل نتوقع على الأرض أن نجد الإنسان الكامل؟ وهل يمكن أن نجد أكمل وأجمل وأفضل وأطهر وأنقى شخصية من شخصية يسوع؟؟؟

هذا هو يسوع المسيح وهذه شخصيته التي إذ نسمع بها يتحول سمعنا إلى معرفة. فتصير معرفتنا به صداقة وتصبح صداقتنا به إعجاباً فينقلب إعجابنا به حباً. فيمسى حبنا له عبادة فتتحول عبادتنا خدمة مستمرة له وتكريس حياة لرفع شأن تعاليمه ونشر مبادئه بين الناس له المجد مع أبيه السماوي.