العودة الى الصفحة السابقة
غضب دينونة الله

غضب دينونة الله

جون نور


«لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ» (رومية 18:1).

من كثرة ما علّم الوعاظ عن محبة الله ولطف الله وعطف الله وعناية الله. من كثرة ما نسمع هذا الوعظ الجميل أصبحنا ننسى أن الله قدوس وعادل، وظن الإنسان في هذه الحال أنه يقدر أن يفعل ما يريد، ويتصرف كما يشاء بدون أن يطالبه الله يوماً من الأيام، وأن بإمكانه أن يستغل محبة الله حتى اللحظات الأخيرة من حياته ولذلك يتمادى في شره وغيه، ولكن كلمة الله تقول: «بأن غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ». وإنه لا يمكن أن تمر خطية بدون عقاب، ولا يمكن أن يجتاز خاطي بدون دينونة.

كلنا نعرف أو نسمع عن سد اليرموك الذي تُحفظ فيه المياه حتى تروي المزروعات في فصل الصيف، وحينما يُفتح هذا السد تتدفق المياه بقوة هائلة جداً.

وهناك عند الرب سد اسمه سد الصبر وطول الأناة والرحمة، والإنسان يخطئ ويدخر لنفسه غضب. ولكن الغضب يتجمع خلف السد لأن الإنسان يعيش في الخطية.

الله يستطيع أن يقتص من الإنسان في الحال عندما يرى الخطية، لكن محبته تتأنى وترفق، الله يتأنى على الخاطي لكي يعطيه فرصة للتوبة، فلا تستهين برحمة الله، لكي لا تتدخر لنفسك غضب في يوم الغضب، ولكن ستأتي الساعة التي ينتقم فيها الله لكل خطية تعمل أمام عينيه القدوسين.

«غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ»، لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، إنسان بار، إنسان يعيش في شركة وعلاقة متينة مع إلهه، ويتمتع برضا الله عليه في جنة عدن، لكن هذا الإنسان أخطأ وتمرد، أراد أن يبعد الله عن حياته ومن حساباته ويعيش لنفسه، ويحصد لنفسه، فابتعد عن الله وانغمس في الشر والخطية، فطرده الله من حضرته وعندما تكاثر شره وفساده تكاثر الغضب.

ومرت الأيام وتكاثر الإنسان على الأرض ورأى الله أن شر الإنسان قد كثر، وأما تصور أفكار قلبه شرير في كل يوم، فندم الله أنه صنع الإنسان.

رأى الأرض قد فسدت رأى الظلم في كل مكان، رأى القتل، رأى الزنى، العنف، السكر، العربدة، الارتداد، لا أحد يحب الرب، ولا أحد يعبد الرب، لا أحد ينتبه للصلاة، بل كيف يعيش لنفسه، وكان غضب الله يتجمع لأجل الفساد، الله الرحوم أطال أناته علينا، الله صبر مع نوح لمدة 120 سنة حتى يبني الفلك وأعطى هذه الفرصة للإنسان لكي يتوب ويرجع له من قبل أن يأتي الطوفان والدينونة ونوح ينادي ويكرز للناس حتى يرجعوا إلى الله، لأن الله مزمع أن يرسل دينونته ويهلك جميع الناس. توبوا وارجعوا، لكن دون فائدة ولا أحد سمع. استهزؤا به ولم يهتموا، ولكن عندما طفح الكيل، وامتلأ السد إلى شطوطه لم يعد الله يحتمل أكثر من خطايا الإنسان، وانفتح السد وانسكب غضب الله على الناس أيام نوح، ونوح وأهل بيته دخلوا الفلك. وأرسله الله محمولاً على وجه المياه، نشكر الله لأجل الذين دخلوا في يسوع فهؤلاء قد نجوا من الدينونة، أما الذين هم خارج يسوع فعليهم غضب الله.

لكن هل تعقل الإنسان وفهم، كلا. بل عاد يخطئ من جديد، وعاد الغضب يتجمع من جديد خلف السد.

عاد الإنسان يخطئ من جديد. وأصبحت الخطية كونية تعم الكون، وعاد الغضب يتجمع من جديد خلف السد، وزادت الخطية والشر بين الناس وزاد غضب الرب خلف السد. وراح الغضب يغلي خلف السد، والله يضبط نفسه، لأنه لا يريد أن يهلك الإنسان، والإنسان بشره وفساده يتمادي في الخطية وعدل الله يتطلب أن يدين الخطية ويزيل البشرية من الوجود.

لكن محبته تجلت في شخص الرب يسوع المسيح وقبل أن يفتح الله أبواب السد ويأتي الغضب على كل العالم، كانت هناك مشاورة في الأمجاد محادثة بين الآب والابن. يسوع يقول للآب إذا أنا نزلت إلى الأرض وحملت هذا الغضب عن البشرية هل ترضى عدالتك… ولكن يا بني هذا سيكلفك الموت... أنا مستعد... وهل تموت عن الأشرار... أنا مستعد. وبين الله محبته لأجلنا… إذ ونحن بعد خطاه مات المسيح لأجلنا. رضى الآب بأن يحمل يسوع الغضب «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا...» (يوحنا 1: 14)

هذه هي المحبة الإلهية وفي الصليب تمت عملية فداء الكون، وإنقاذ العالم من غضب الله المعلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم.

يسوع البار معلق على الصليب، البار الذي لم يعرف خطية، صار خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه، جاء الآب بكل خطايانا ووضعها على يسوع في الصليب.

وعندما صرخ يسوع: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متّى 27: 46) كان السد ينفتح والغضب ينسكب عليه وعليه وحده. لقد كان غضب الله مزمعاً أن ينسكب على العالم ولكن عندما يسوع حمل خطايانا جمع دينونة الله على نفسه وانسكب الغضب عليه.

وعندما رأى يسوع كل هذا الغضب صرخ… إلهي إلهي لماذا تركتني، وفي هذه اللحظة بالذات انسكب كل غضب الله وتألم يسوع عن كل الآم البشرية وعن كل واحد منا، ونال قصاص خطايانا.

وصرخ يسوع: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا 19: 30)، قد أكمل خلاص البشر بي، لا خطية بعد الآن عليكم، لقد حملت عنكم الدينونة، وأكملت كل شيء وأسلم الروح ومات.

يسوع مات على الصليب من أجل خطاياي وخطاياك، هذه هي المحبة، أن يضع الإنسان نفسه لأجل أحبائه.

بموت يسوع أرضى العدل الإلهي، ومن الدينونة تفجرت ينابيع الخلاص والرحمة.