العودة الى الصفحة السابقة
الخطية حمل ثقيل

الخطية حمل ثقيل

جون نور


«لأَنَّ آثامِي قَدْ طَمَتْ فَوْقَ رَأْسِي. كَحِمْل ثَقِيل أَثْقَلَ مِمَّا أَحْتَمِلُ» (مزمور 4:38).

«لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ارْتَجِي اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِهِ» (مزمور 5:42).

الخطية لفظة صغيرة الحجم ضئيلة الجسم، يسخر منها غير العارفين. ويهزأ بها الجاهلون وغير الفاهمين.

العالم لا يرى في الخطية خطراً. ولا يلمح منها ضراراً، فهي إحدى النقصات الاجتماعية التي يحاول المصلحون الاجتماعيون مداواتها بالكلام، ولو فتحوا عيونهم لرؤها تلك الهوة التي تغذي الجحيم بنارها ودودها...؟

وأخشى أننا لا نرى الخطية في حقيقتها. أه... لو رأيناها لما بقينا نضحك، ولما قضينا أمسياتنا في الضحك واللهو، بل لسقطنا على وجوهنا إلى الأرض وصرخنا من الأعماق ارحم يا رب أولادك وأرفع الغضب عن شعبك.

الخطية حمل ثقيل أنّت منه الخليفة ولا تزال تئن لقد احتملت الأرض الرمال الممتدة، والجبال الشاهقة، ولكن الخطية أثقل من ذلك بكثير.

نعم الخطية حمل ثقيل، ثقيل بهذه الدرجة بحيث روع ثقله السماء والأرض، إذاً لماذا يوجد أناس لا يحسون بهذا الثقل وهي لا شيء عندهم لا بل أن هؤلاء يحملوا مع خطاياهم خطايا غيرهم.

هناك أناس لا يحسون بثقل الخطية لماذا:

– لأنهم أموات:

البعض لا يحسون. لأن الخطية قتلتهم نهائياً، هم ميتون. ضع على الميت الحرير، أو جبال هملايا سيّان عنده، لا يتنهد ولا يحس، لأنه مات وما أكثر الأموات الذين يظهرون كالأحياء، يحملون جبالاً من آثام ثم تسمع أنهم يضحكون، فلا تظلموهم وكيف يُلام الميت.

هم لا يحسون بثقل الخطية لأنهم أموات ولأنهم:

- لأنهم مغمى عليهم:

وهؤلاء نلاحظ فيهم بعض الحياة، ولو أنها حياة ضعيفة لقد أغمى عليهم. وهم يتنفسون بصعوبة. لقد سممت الخطية أجسامهم وصعد بخار هذا السم إلى رؤوسهم، فإذا هم يحملون ويحلمون أحلاماً ذهبية لا يصحون منها إلا في القبر.

هم لا يحسون بثقل الخطية. لأنهم أموات ولأنهم مغمى عليهم وأصبح لديهم:

- بلادة الحس:

هناك أناس الفو حمل الأثقال. حتى صارت جزء من أجسامهم ويشعرون أنهم ناقصون بدونها، لا يزالون يحملون الأثقال وحساسيتهم تضعف إلى أن تبلدت حواسهم ومات فيهم الشعور.

هم لا يحسون بالخطية.

- لأنهم يلهون بأشياء أخرى:

في الدنيا أباطيل ومسرات تجتذب الفكر تماماً، بحيث لا يكون هناك التفات بالمرة لثقل الخطية.

هم لا يحسون بالخطية

- لأنهم عائشون فيها:

لا يشعر الناس بثقل الخطية كما ينبغي. لأنهم عائشون فيها فلو أنك وزنت الهواء الذي فوق رؤوسنا لهالنا مقدار ما على رؤوسنا من الضغط الجوي ما يكفي لسحق أقوى البنايات، وإنما ينقذنا من هذا الضغط الهائل أننا نعيش في الهواء، فالهواء محيط بنا من كل النواحي من فوق ومن تحت من اليمين ومن اليسار، ومن خارج ومن داخل، ولو قلت لأحد أن على رأسك آلاف الأطنان من الهواء لهزأ بك، وإذا تحدثت للخطاة عن ثقل الخطية المروع. يبتسمون لأنهم لا يشعرون بأي ثقل بالمرة. هل هناك شك في أن الخطية حمل خفيف إذن.

الخطية حمل ثقيل:

- تقتل الحواس:

أول ما نراه من ثقل الخطية أنها تندفع بقوة هائلة فتسحق تحت بطشها الشديد حواس الإنسان فتعمي عينيه، فما يعود يبصر النور الإلهي، وتصم أذنيه فلا يعود يستمع لأنغام، السماء الحلوة وتلاشي حاسة الذوق، فلا يعود يتذوق الشركة الإلهية، وتضيع حاسة الشم، فتصبح رائحة الخطية الكريهة شيء طبيعي بالنسبة له.

هل ترون عندما يتحدث الإنسان المؤمن عن السماء وجمال المسيح، وعندما يطرب لسماع الترانيم ويتذوق حلاوة الله ويشم رائحة البر، هل ترون الخاطي يهز رأسه قائلاً ما هذا.

الخطية حمل ثقيل. لأنها تحني الرأس:

الخطية ثقل نحس به ونحن نحاول أن نرفع وجوهنا إلى الله بالصلاة ولكن عبثاً نحاول لأن رؤوسنا لا تلبث أن تنحني.

ولكن للنظر إلى أحمالهم تحت وطأة ثقل الخطية أصبح العالم كله دموع وآلام وأحزان، هذا العالم بما فيه من شموس وأقمار ونجوم وخضرة ماء وقبة زرقاء قد تحول إلى جحيم وحروب ومجازر وأطماع وأحقاد، هل ستهاجر إلى بلد لتجد سلام. العالم كله أصبح مشحون بالحروب أرضه تغطت بالدم وصار ميداناً للمنافسات.

هل هناك أثقل من هذه الحياة. الطفل يبكي فيها، الشاب يضطرب منها، الرجل يخافها. والكهل يرتعش منها.

أراد الوثنيون التقرب إلى الآلهة بالذبائح والمحرقات لترضى عنهم.

المسيحيون يتقربون لله بالهدايا ليعالجوا ضميرهم المضطرب تحت ثقل الخطية.

الذين يمشون على النار ويعلقون أجسادهم على المسامير، ويلبسون الشوك لماذا؟ لكي يريحوا ضميرهم المتعب قليلاً.

لكن إن أردنا أن نعرف ثقل الخطية فنقترب إلى الصليب لنرى يوحنا يقول: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» (يوحنا 1: 29).

فيا من تستهينون بالخطية تعالوا إلى الصليب وأنظروا ماذا فعلت الخطية بمخلصنا فكيف بك أنت. أصرخ اللهم ارحمني أنا الخاطي ونجني من الطين لئلا أغرق.