العودة الى الصفحة السابقة
المدينة الأبدية

المدينة الأبدية

جون نور


«لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ» (عبرانيين 10:11).

«لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ» (عبرانيين 14:13).

منذ فجر التاريخ والإنسان يتوق إلى الحياة في مدينة هادئة جميلة، يسودها السلام. وبالتأكيد ازدادت رغبة الإنسان هذه في القرن العشرين، مما يلاقيه من آلام وحروب ومشاكل.

لقد ابتدأ الإنسان يبني. ولكن فشله في بناء المدينة المثالية الخالدة جعله يلجأ إلى الخيال. فأفلاطون في كتابه الجمهورية رسم الخطوط العريضة للجمهورية السعيدة، تلك الجمهورية التي وضع فيها برنامج منظم للتعليم وإعداد الحكام وعلاج المجرمين وإسعاد المحكومين.

إذاً فالأرض التي نعيش فيها، ليست هي الوطن الخالد للبشرية المعذبة، وإنما هي مجرد كلية لإعداد المفديين للمدينة الأبدية، ومنذ مئات السنين كتب صياد عاش في أرض فلسطين رسالة تنبأ فيها عن الأحداث الرهيبة التي ستحدث لعالمنا المسكين فقال: «وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ، فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ» (2بطرس 7:3).

فأرضنا التي أهلكها الماء مرة. ستحرق النار سكانها الفجار في يوم قريب «وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (2بطرس 10:3).

ثم ماذا بعد زوال السموات وانحلال العناصر واحتراق الأرض والمصنوعات التي فيها.

هنا يلمع الرجاء في مدينة سعيدة، قال عنها بطرس الرسول: «وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ» (2بطرس 13:3).

وهذه السموات الجديدة والأرض الجديدة هي التي قال عنها كاتب الرسالة إلى العبرانيين وهو يتحدث عن أبطال الإيمان (عبرانيين 14:13). ولكن الآن يبتغون وطناً أفضل، أي سماوياً، لذلك لا يستحي بهم الله أن يدعى إلههم لأنه أعد لهم مدينة. مدينة باقية، التي سيعيش فيها المفديون.

فمدن العالم القديم بادت وذهب مجدها ومدن العالم الحاضر ستزول في وقت قريب، ستزول ولن يبقى فيها حجر على حجر.

واليوم أريد أن أتحدث إليكم عن المدينة التي لها الاساسات التي صانعها وبارئها الله، عسى أن يجعلنا هذا الحديث ننسى المنظور. ونفكر في غير المنظور، إذ يجب أن نكون «غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ» (2كورنثوس 18:4).

هناك سعادة وأية سعادة لا تخطر ولا يتصورها عقل إنسان، سعادة إلهية، نعم هناك سعادة في المدينة الأبدية.

السعادة الموجودة في المدينة الأبدية

1 - سعادة الحياة الخالية من الألم:

أول سعادة سنشعر بها هناك وستغمرنا طوال الأبدية هي سعادة الحياة الخالية من الألم، إن أحداً لا يستطيع أن يعرفنا مدى سعادة السماء سوى كلمة الله وكل التجاء إلى غير كلمة الله لمعرفة هذا المكان هو شر.

فالمدينة الأبدية ستكون مدينة خالية من الحزن، ومن الوجع، ومن الصراخ، ومن الدموع. إن اسمها أورشليم أي مدينة السلام أو ميراث السلام.

فليس هناك مرض ولا وجع، ولا سجن للمجرمين، ولا حوادث اصطدام ولا سقوط طائرات، ولا إنسان فقير، ولا مشلول، ولا عاجز، هناك لا ألم على الإطلاق.

2 - هناك سعادة لقاء الأحبة:

يسألني الكثيرون هل سنعرف أحبائنا الذين سبقونا عندما نراهم في ظلال الأبدية، والإجابة إننا سنعرفهم بكل يقين.

هل هناك سعادة أعظم من سعادة لقاء الأحبة مرة أخرى، لا موت هناك في الأبدية، بل سيكون لقاءنا لقاء أبدي وهناك.

3 - سعادة معرفة أسرار الحياة:

تصادفنا أشياء في هذه الحياة لا نستطيع أن نعطي عنها تفسير فنجاح الأشرار، وآلام الأطفال الأبرياء، والظلم المتفشي في أرجاء الأرض والمآسي المحرقة التي تحزن قلوب البشر، ما هو تفسيرها؟ وما هو تعليلها؟ هناك فقط في مدينة الحياة، مدينة الله سنعرف أسرار الحياة.

سنستمر نعلل الأمور ونسأل مع أيوب لماذا يحيا الأشرار؟ ولن نجد الجواب الشافي إلا في مدينة الله، وهناك سنسعد بمعرفة أسرار الحياة.

4 - سعادة رؤيا الله والمسيح:

يأتي بنا يوحنا إلى ختام رؤياه، إلى ذروة السعادة في المدينة الأبدية، فيكتب قائلاً: «وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ. فِي وَسَطِ سُوقِهَا... وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ. وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ. وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 22: 1 - 5).

في المدينة الأبدية سنسعد بخدمة كاملة فلن يكون في المدينة كسل ونوم وملل، بل خدمة إلى ذاك الذي اشترانا بدم ابنه الكريم. سعادة غامرة ستملأنا عندما نرى الآب الكريم الذي أحبنا والابن الذي ذبح واشترانا.

سعادة هذه المدينة تنبع من وجود شخص المسيح المجيد، فهو ترنيمة السماء وموسيقاها، وهو سر بهجتها هذه هي قمة السعادة، عندما نصافح اليد المثقوبة، ونشعر لمستها وهي تمسح دموع أعيننا، فهل لك نصيب في هذه الأبدية؟