العودة الى الصفحة السابقة
الموت

الموت

جون نور


«وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ» (عببرانيين 27:9).

«أَيُّ إِنْسَانٍ يَحْيَا وَلاَ يَرَى الْمَوْتَ؟ أَيٌّ يُنَجِّي نَفْسَهُ مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ؟» (مزمور 48:89).

اختلف الناس في أمور كثيرة وتضاربت آرائهم وأفكارهم في أشياء عديدة ولكنهم اتفقوا على شيء واحد، ألا وهو الموت فالموت حق على كل إنسان وكأس يشربها كل بشر، وكما قال الرسول بولس: «آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ» (1كورنثوس 15: 26).

والإنسان حسب الطبيعة مجبول بحب الحياة فهو يعشق الحياة ويحبها ويهرب من ذكر الموت، ويحاول أن يتناساه، ولكن العناية الإلهية طالما تذكره بغربته ورحيله من هذا العالم بطرق كثيرة.

قال القديس أوغسطينوس: «يمكن للناس المقاومة ضد النيران الملتهبة، وضد أمواج البحر وضد الأسلحة الحادة، وضد الملوك المقتدرين، ولكن حينما يأتي الموت من يستطيع أن يقاومه».

إن الموت في قبضة الله كالمنجل المسنون، لا يبالي بغني وفقير ولا كبير وصغير، ولكن شكراً لله لأن يسوع كسر شوكته وانتصر عليه، وقام ناقضاً أوجاع الموت، فالمؤمن يستطيع أن يواجه الموت قائلاً: «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟» (1كورنثوس 15: 55).

ولنا في هذا الموضوع كلمة وهي:

حقيقة الموت:

الموت هو انفصال الروح عن الجسد لكي ترجع الروح إلى الله خالقها، ويرجع الجسد إلى التراب الذي أخذ منه، كما جاء في (سفر الجامعة 7:12). الموت طريق الأرض كلها، هي طريق يقطعه جميع الناس وقنطرة يعبرها كل البشر فقراء كانوا أو أغنياء، مرضى أو أصحاء صغاراً أو كباراً، كما قال المرنم في مزمور 48:89: «أَيُّ إِنْسَانٍ يَحْيَا وَلاَ يَرَى الْمَوْتَ؟» ومهما طال عمر الإنسان وكثرت سنو حياته على الأرض لا بد أن يشرب كأس المنون، ولا بد أن تميل شمس حياته إلى المغيب.

أيها الأحباء كم عدد الأشخاص الذين جالسناهم وصاحبناهم وعلى مرأى منا ماتوا فجأة بدون أن يلفظوا لنا كلمة وداع غادرونا فجأة دون أن يقولوا كلمة وداع، بعضهم بينما كانوا جالسين. وبعضهم بينما كانوا سائرين. وآخرين بينما كانوا نياماً؟ ومما لا ريب فيه أنه ولا واحد منهم كان يظن أنه سيموت فجأة أو سينتهي على هذا الشكل الذي مات به، كم أشخاص رأيناهم يبنوا بيوتاً لم يسكنوها، وجهزوا ملابساً لم يلبسوها، وجمعوا أموالاً لم ينفقوها.

أليست هذه عظة لنا نحن الأحياء، كان أحد الأخوة المؤمنين راجعاً إلى مكان عمله عندما قابله صديق وسأله أين كنت، أجابه لقد كنت في عظة. وقصد بهذا أنه كان في جنازة، فالجنازة عظة بالغة، كم عظة حضرت في حياتك، فهل اتعظت أم أنك تنسى.

تقول الإحصائيات أن عدد الذين يموتون من العالم كل سنة 800ر740ر35 شخص أي كل يوم 920ر97 شخص أي في كل دقيقة 68 شخص وفي كل ثانية هناك شخص واحد يموت 08ر1 ولكن كم هو عدد الأشخاص الذين يموتون من هؤلاء على رجاء القيامة؟

إن الاستعداد للموت أم ضروري الآن لأن الإنسان ليس له إلا حياة واحدة، لو فقدها يفقدها للأبد، وأيضاً الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة وبعد الموت يكون أمام أمرين إما سعادة أبدية، أو شقاء أبدي.

كان لأحد الأغنياء ضمن حاشيته رجل في منتهى السذاجة، والبساطة، حتى أنه أطلق عليه لقب الخادم الغبي، وفي ذات يوم أهداه عصا وطلب منه أن يحتفظ بها ولا يسلمها إلا لمن هو أغبى منه، وحدث بعد مدة أم مرض هذا السيد فدخل إليه العبد وتمنى الشفاء لسيده فأجابه بمرارة. لقد انتهيت سأسافر حالاً، كيف تسافر يا سيدي ولم تعد نفسك ولا أمتعتك، يا غبي في هذه الرحلة لا أقدر أن آخذ شيئاً، فقال: وهل سفرتك تطول؟ يا غبي إنها سفرة لا نهاية لها إلى أبد الآبدين، فقال: إن كانت أبدية فهناك شخص أبدي، فهل أعددت نفسك لمقابلته وجهزت نفسك للأبدية؟ فقال: لقد تجهزت لأمور كثيرة ولكن لم أجهز نفسي للأبدية، فحالاً تقدم الخادم نحو سيده بالعصا وناوله إياها، وقال خذ يا سيدي وجدت اليوم من أغبى مني ولقد كان غبياً حقاً.

الطريقة الصحيحة ليس أن تتهرب من التفكير في الأبدية بل أن تواجهها، وخير لك ألف مرة أن تواجهها في هذه الحياة وأنت بإمكانك تغيير مصيرك فيها. من أن تواجهها قبل فوات الأوان.

القبر مكان مظلم تسكب عنده دموعنا وتنتهي عنده مسراتنا، السواد شعاره والظلمة عنوانه لكن لما قام المسيح من الأموات أضاء كل القبور، يسوع قد أنار لنا الحياة والخلود.

قد ينظر الناس إلى الموت فيرون فيه عدواً مخيفاً، يروا في القبر مقراً مظلماً، وإلى التابوت فيرونه سريراً خشناً، ولكن المؤمنين يرون من وراء خوف الموت طمأنينة السماء. ومن وراء ظلمة القبر يشاهدون نوراً مشرقاً بهيجاً.

إن الموت بالنسبة للمؤمن ربح واشتهاء للانطلاق، لأنه يدخله في حياة الحرية التامة، ويتخلص من العالم وشروره ومتاعبه، ويبتدئ بالتمتع بالراحة والشركة الدائمة مع المسيح، فيتخلص المؤمن من النوح والأنين والأحزان والأوجاع.

نفوس الأبرار تذهب إلى الفردوس لتستريح وتنال عربون السعادة والمجد، ونفوس الأشرار تذهب لتنال عربون الشقاء الأبدي، أما الراحة التامة والعذاب التام، ولا يحكم فيهما إلا بعد الدينونة، حينما يأتي المسيح، وأجرته معه، ليجازي كل واحد حسب عمله وتلبس النفوس أجسادها هناك تستريح نفس المؤمن إلى أن يأتي الوقت المعين فيبزغ الفجر الأبدي فننظر وجه يسوع اللامع بالمحبة والنور والجمال.