العودة الى الصفحة السابقة
بدون مسيح

بدون مسيح

جون نور


«أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ» (أفسس 12:2)

رسم في هذه الكلمات الرسول بولس صورة يائسة لأهل أفسس ليضعها بجانب الصورة التي تحولوا إليها. وسبب صورتهم المظلمة هذه ما ذكره بولس في كلمات الآية التي تليت على مسامعكم.

فلم يقل بولس الرسول أنهم كانوا بدون ثروة. أو بدون علم. أو بدون تمدن. ولم يقل أنهم كانوا بدون خبز أو طعام، ولو قال ذلك لاستحق أهل أفسس الشفقة. ولكنهم كانوا في حالة أسوأ مما لو كانوا بدون ثروة، أو علم، أو طعام، أو حتى هواء وبدون تمدن. فلقد كانوا كما قال عنهم الرسول بولس «بِدُونِ مَسِيحٍ» أن أتعس حالة يمكن أن يوصف بها شخص أن يُقال عنه أنه بدون مسيح.

إن أسوأ بيت ليس البيت الخالي من مقومات الحياة أو الكماليات بل البيت الخالي من المسيح.

وليس أتعس شخص هو الذي بدون علم. أو عمل أو ثروة. بل هو الشخص الذي بدون مسيح.

وأسوأ أمة ليست الأمة الخالية من موارد الثروة. أو وسائل القوة. بل هي الأمة التي بدون مسيح. لقد مات يسوع على الصليب فظن الشيطان أن العالم قد صار بدون مسيح، فسر وابتهج ونام على قبر يسوع حالماً بهذه الأمنية وظن أن الذي به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان. قد أصبح في خبر كان.

لكن... كثيرون يعيشون وكأن يسوع ما زال في القبر يعيشون وكأنهم بدون مسيح. ولو سألنا أنفسنا لماذا يحيون وكأنهم بدون مسيح.

1 - لأنهم لا يعرفون المسيح:

ولا يقرأون إنجيله، ولا يؤمنون به رباً. كان الأفسسيون يعبدون آلهة كثيرة ولكنهم لم يسمعوا قط أن هنالك شخصاً اسمه يسوع. ولكن عندما سمعوا به لم يؤمنوا به ولا بلاهوته. ولا يعرفوا خلاصة، ولم يتأملوا في أقواله.

فهؤلاء بدون مسيح.

2 - هم بدون مسيح لأنه ليس لهم منه إلا الاسم:

كم من المسيحيين لا يعرفون من هو المسيح. ولماذا تجسد؟ ولا يعرفون أو يفهمون شيئاً عن معنى صلبه وقيامته. وكم من هؤلاء يعيدون وهم لا يعرفون من العيد إلا مباهجه وملذاته.

كان العيد لهم صياماً، فصاموا وانقطوا عن الطعام، وجاء العيد فأكلوا وفرحوا وهؤلاء هم حقاً بدون مسيح. ويصح عليهم ما قاله الوحي عن بني إسرائيل: «هلك شعبي لعدم المعرفة» هؤلاء بدون مسيح لأنهم:

3 - لا يؤمنون بالمسيح مخلصاً وفادياً:

هو في أعينهم مثال للحياة الأفضل والتضحية والمثل العليا، يؤمنون به شخصاً جاء قديماً من عذراء أسمها مريم، ويعرفون كل شيء عنه، ونسوا أن المعرفة شيء والإيمان شيء آخر، يؤمنون بأنه مخلص جاء ليخلص الخطاة ولكنه:

4 - مسيحاً ومخلصاً للعالم وليس مسيحاً ومخلصاً لهم:

يصدقون رسالته ولكن ليس لهم فيها شيء لهم كتاب ولهم كنيسة وعقائد مسيحية ولكنها بدون مسيح.

إن خطأنا أننا نريد من الناس أن يأتوا إلى المسيحية دون أن نهتم بأن نأتي بهم إلى المسيح، أنه مما لا شك فيه بأنه يوجد الكثيرون منا يؤمنون بالمسيح رباً ومسيحاً لهم، ولكن أيضاً يوجد من هم يؤمنون بالمسيح مسيحاً للعالم يقبلوه بلسانهم ويرفضونه بحياتهم، لأن هؤلاء يعتبرون كونهم بدون مسيح بانه:

أ‌ - امتياز:

نحن بدون مسيح لذلك نحن بدون عار المسيح.

نعم خسرنا العار عار اسم المسيح وصليب المسيح. لذا فهم يخجلون بأن يدعوا مسيحيين خوفاً من عار المسيح.

قيل عن موسى أنه بالإيمان ترك أموال وخزائن فرعون حاسباً عار المسيح، غني أفضل من خزائن مصر.

وبدون مسيح امتياز لأنه:

ب‌ - بدون مسيح نكون بدون طريق المسيح:

ما هو طريق المسيح؟ «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ... وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ» (متّى 5: 44).

ما هذا الطريق الضيق الذي يضيق الخناق على لذاتنا وشهواتنا وكبريائنا.

ما هذه العبودية التي يريدنا المسيح أن نتبعها. فلندع هذا الطريق بعيداً. فهو ربح أن نكون بعيدين عن مسيح يدعو إلى هذا الخنوع وهذه العبودية.

ظل الرسول بولس يظن أنه يعبد الله ويخدمه سنين طويلة، ولكنه لم يصل حقاً إلا عندما عرف المسيح يسوع. إن الذين لم يعرفوا يسوع لم يعرفوا الله. والذين هم بدون مسيح هم في الحقيقة بدون إله وبدون مسيح معناه خسارة لأننا:

ج - بدون سلام:

وأي سلام في غير المسيح، إن النفس المضطربة لا تجد غفران لخطايانا إلا في بر الصليب لأنه هو سلامنا.

وبدون المسيح خسارة لأن ذلك يعني:

د - إننا بدون رجاء:

وأي رجاء لنا في هذا العالم بعيد عن المسيح عالم مظلم ووراءه موت، ولكن المسيح أنار الموت. لذا فإن جسدي سيسكن مطمئناً في القبر والجميع في المسيح يموتون على رجاء القيامة ومن أين هذا الرجاء، لأن المسيح قام، فالموتى به سيقومون «أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي» (مزمور 23: 4). وبدون مسيح ذلك يعني:

هـ - إننا بدون سماء:

إن الوجود في السماء يتطلب أن نكون أعضاء جسد المسيح فكراً وقلباً وروحاً.

فجواز مرورنا إلى السماء هو يسوع وحده فلا قوه في العالم ولا إنسان ولا ملاك ولا قديس يقدر أن يدخلنا السماء إلا هو الذي يفتح الأبواب.

ولو فرضنا جدلاً أننا قادرون بطرقنا وأساليبنا الخاصة كما نظن أن ندخل السماء، فسنجدها بدون مسيح بدون يسوع.

إن أعظم مصيبة أو بليه يبتلي بها الإنسان المسيحي هي أن يكون مسيحي بدون المسيح.