العودة الى الصفحة السابقة
يسوع القيامة

يسوع القيامة

جون نور


مع أنه السيد والرب والذي يأمر فيُطاع وهو الذي به وله الكل قد خلق إلا أنه في تواضعه ارتضى أن يأتي في الجسد، آخذاً صورة عبد ليحمل الدينونة ويرفع عنا العقاب.

لقد مات المسيح على الصليب وسدد دين الخطية لكي يكون الله باراً ويبرر من هو بالإيمان بيسوع. فلم تكن حادثة الصلب وآلام المسيح وقيامته حادثة دوّنها التاريخ لكيما تتناقلها الأجيال وتصبح تقليداً نحياه مرة واحدة في السنة ومن ثم ترجع الأمور كسابق عهدها بل أراد الله في قيامة المسيح أن يقيمنا أيضاً معه لكي لا نعود نحيا فيما بعد في خطايانا بل أن نعيش كل يوم للذي أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا.

الله عادل وكان لا بد أن يدين الخطية التي يعيشها الإنسان وعدالة الله تطالب بالقصاص. أن الشخص الوحيد الذي استطاع أن يجيب عن مشكلة عدالة الله ورحمته كان هو المسيح عندما مات على الصليب. كان كل دين آخر يعجز عن أن يعطي لله كمالاته الأدبية ولكن ديانة الصليب حفظت لله كمالاته الأدبية. لأن المسيح عندما مات على الصليب أصبح الله بموته باراً واستطاع بهذا الموت في ذبيحة المسيح أن يبرر من هو بالإيمان بيسوع.

هذا هو امتياز المسيحية عن كل دين آخر. ففي الديانات الأخرى نجد مبادئ عليا ونهياً عن المفاسد والمنكر. لكن في المسيحية نجد الله يتكلم إلينا لا بلغة رمزية وإنما في شخصه العزيز المبارك «الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا» (يوحنا 1: 14).

وهذا هو سر عظمة القيامة أننا صُلبنا مع المسيح وأنه أقامنا معه حيث نتذكر في هذه الذكرى العظيمة أن السماء وقّعت وثيقة العفو عنا لكي نحيا بإيمان ابن الله الذي أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا.

يقول بولس: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ» (غلاطية 2: 20) «الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ» (غلاطية 5: 24)، ما هو الجسد؟ هل هو ما تقوم به أصابعنا وأيدينا وأرجلنا؟ بل يقصد أجسادنا التي هي هيكل الروح القدس، فهذا الجسد الذي من لحم ودم مجرد أداة، وهذه الأداة تتحرك من هنا من المخ الذي هو مركز التشغيل.

في رسالته الى اهل غلاطية الأصحاح الثاني والعدد الرابع عشر يقول الرسول بولس:

«مَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غلاطية 6: 14). أي صلب العالم.

لنفكر في شخص مصلوب كيف يمكن أن يكون حاله لا منظر ولا صورة. دماء تنزف من يديه ورجليه يعيش دقائق الآلام منتظراً الموت. وهذه صورة الإنسان الذي يعيش ذكرى القيامة. بعيداً في حياته ومسلكه بعيداً عن الله.

تحدث المسيح عن إنسان أخصبت كورته فقال ماذا اصنع؟ إنسان لم يعش ضمن دائرة الله. دائماً يسأل ماذا أصنع. أما الشخص الذي يعيش حياة القيامة منتظراً مع المسيح. لا يسأل ماذا أصنع بل ماذا تريدني يا رب أن أفعل ضمن دائرة المشيئة الإلهية.

ذلك الإنسان قال لنفسه وليس لله. ماذا أصنع أهدم مخازني وأبني أعظم منها. وأجمع هناك غلاتي وأثماري وأقول لنفسي كلي واشربي واستريحي واشبعي لك خيرات كثيرة مخزونة لسنين عديدة. هذا الإنسان لم يضع الله في برنامج حياته لم يقل إن شاء الرب. لم يطلب من الله حكمة للتصرف في البركات السماوية التي أغدقها الله عليه. فلقد أخرج الله من برنامج حياته.

فقال له الله في تلك الليلة يا غبي لأنك أخرجتني من دائرة حياتك. أخرجت التفكير السليم. ووجود الله والأبدية من برنامج حياتك التي لا يمكن لها أن تعيش فقط على مخزون قمحك وغناك. في «هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟» (لوقا 12: 20).

يا أحبائي: لا حاجة لأن تضطرب قلوبنا بخصوص حاجاتنا المادية، التلاميذ بعد أن كانوا مع المسيح تحمسوا. ولكن سرعان ما انقلبت أمورهم وتراجعوا وفكروا بأن يعملوا لأجل معيشتهم. فقال لهم بطرس نذهب لنصطاد. ونسى بطرس قول المسيح: من الآن تصطاد الناس. فعثَّر بطرس واعثر التلاميذ أيضاً فخرجوا ودخلوا السفينة وفي تلك الليلة لم يصطادوا شيئاً حتى إطعام أنفسهم وهم الصيادون الماهرون وكل المحاولات الماهرة لرمي الشباك والخبرة الطويلة باءت بالفشل.

ألم نشعر مرة بالفشل بكل ما نفعله ونخططه لماذا لأننا نخطط بعيداً عن الله وكثيراً ما يتركنا الرب للصباح كما ترك التلاميذ ويعلمهم الرب درساً مهماً ( يا غلمان) يا أولاد ألعل عندكم أدام لا، إذاً ألقوا الشبكة على الجانب الأيمن فتجدوا بعكس مفهومكم وخبرتكم فألقوا ولم يعودوا إذاً يقدرون.

لقد أراد يسوع أن يعلمهم بأن جميع محاولاتهم لا تنفع إن لم تكن حسب إرادة الله ومشيئته.

أيها الأخوة والأخوات أعزائي المستمعين:

«إِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ» (كولوسي 3: 1).

إذا كان المسيح قد قام من بين الاموات فلنظهر قيامته فينا وفي حياتنا.

إذا كان المسيح قد قام اليوم فلنقل جميعاً متحدين في قلوبنا ومصممين أن نحيا له ولقيامته قائلين: المسيح قام المسيح قام المسيح قام حقاً قام.