العودة الى الصفحة السابقة
المحبة

المحبة

جون نور


«1 إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ. 2 وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئًا. 3 وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئًا. 4 الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، 5 وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، 6 وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، 7 وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. 8 اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. 9 لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. 10 وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ. 11 لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْل كُنْتُ أَتَكَلَّمُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْطَنُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. 12 فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ. 13 أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ» (1كورنثوس 13).

في أصحاح المحبة المشهور. وهو الأصحاح الثالث عشر من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، وضع الرسول بولس أعظم التعريفات، وأدق المواصفات للمحبة الحقيقية، المحبة التي لا يعلوها شيء في الوجود، بل المحبة التي لا يمكن أن يكون بدونها وجود، إنها المحبة التي تتأنى وترفق، المحبة التي لا تحسد، المحبة التي لا تتفاخر ولا تنتفخ، ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد، ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم، بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء، وترجو كل شيء وبالإجمال هي المحبة التي لا تسقط أبداً.

هذه الصورة الرائعة الواضحة المعالم، المحددة السمات للمحبة الحقيقية لو أردنا أن نفتش على مشهد بين المشاهد الكثيرة التي حفلت بها مواقف تلك المحبة العظيمة على امتداد التاريخ البشري، لكان هذا المشهد هو مشهد ذلك التلميذ من تلاميذ المسيح، عاش معه أياماً وشهوراً، وسنين عاين معجزاته وأدرك محبته وجلس معه وتمتع بقربه، وأظهر له ذاته، حتى أنه في يوم من الأيام تعهد له وأقسم إن أنكرك الجميع أنا لا أنكرك. إني مستعد أن أمضي معك إلى الموت، حتى إلى الصليب، وكيف لا والرب قد رفعه واختاره وجعله من الصحبة المنتقاة، كان هذا التلميذ غير معروف فجعله من الأعلام وقربه إليه ولم يكن يذهب إلى مكان إلا ويأخذه معه. لا بل كان من الثلاثة المقربين دائماً إلى يسوع، بطرس ويعقوب ويوحنا.

اعزاءي المستمعين يوجد خطر على أعظم قديس مهما كان إيمانه وقداسته إن ابتعد عن نعمة الله الغنية، ومهما كان الإنسان تقياً وقديساً في نظر نفسه وكنيسته. فهو بحاجة إلى نعمة الله الغنية في كل يوم لتحميه وتحمله في كل أمر من أمور حياته اليومية.

بطرس ليس موضوعنا في هذا اليوم، بل أريد أن أتحدث عن المحبة التي لا تسقط أبداً، حديثنا هو عن رب بطرس، الذي نظر نظرة صامته. التفت بها يسوع إلى بطرس وهو مقيد وهو يُجلد ويُبصق عليه من الجند، كانت كافية أن تقول لبطرس، إن إنكارك هذا أشد علي من كل جلدات الجنود وبصقهم عليّ، بل أن أنكارك هذا أشد علي من المسامير التي ثقبت يدي ورجلي. هرب.. وأنكر.. وجلس مع الذين يصطلون على نار محاكمة يسوع واقتياده إلى الصليب. وقطع كل رباط يربطه بسيده، لكن انظروا في محبة ذلك السيد عندما قام من الموت ظافراً منتصراً، أهتم بأن يضع على فم الملائكة رسالة تبلغ إلى تلاميذه. يقول فيها للمريمات إذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس، هل هنالك حب أعظم من هذا الحب. وهذا الترفق هل يستطيع أحد أن يقول أن هنالك محبة تتأنى وترفق أكثر من هذه المحبة.

جاء الناس ليسوع ممسكين بامرأة ليرجموها، ويقولون أن مثل هذه بحسب الناموس ينبغي أن تُرجم، وأما أنت فماذا تقول؟ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» (يوحنا 8: 7). فهرب الجميع من أمامه، فانتصب الرب وسأل المرأة: «أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا» (يوحنا 8: 10 و11).

يسوع يكره الخطية ولكنه يحب الخطاة، لأنه قد جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك.

يسوع كان يعلم أن المحبة هي الدواء. وعندما يحب بطرس كتلك المحبة التي أحبها المسيح. بأن يضع نفسه من أجل خدمة وخير الآخرين. عندئذ سيسهل كل صعب وسيضحي بكل غال ونفيس لأن المحبة تضع نفسها لأجل أحبائها.

ما هذا الذي يعمله يسوع بعد كل الذي عمله بطرس إذ أنكره وهرب عنه. تركه وذهب إلى صيد السمك. بعد أن كان من الواجب أن يتم ما أراده يسوع أن يعمل. وكأني بيسوع يريد أن يقول لبطرس أنني ما زلت أثق فيك يا بطرس. ولا أزال أنتظر أن عمل الملكوت السماوي يبني بك ومن خلال خدمتك التي أنا سأتمجد بها، ومن خلالها ستأتي بالخراف إلى الحظيرة، يسوع رأى في بطرس حجر كريم في بناء الملكوت السماوي.

بطرس هذا الذي أنكر المسيح أمام جارية. يقف في يوم الخمسين وقد امتلأ بالروح القدس. ليجابه الآلاف ويواجه اليهود ويقول لهم بكل قوة وبدون خوف، أنتم الذين صلبتم البار. وبأيدي أثمة قتلتموه. هذا أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت، ونحن جميعاً شهود لذلك. بطرس وهو يقول هذه الكلمات كان يرى أشخاصاً وأيدي اشتركت في تسليم يسوع وإلقاء القبض عليه. عيون يتطاير منها الشرر. وهو يعرفها ويعرفهم، وقد اختبأ منهم واختفى من أمامهم، لكنه الآن يقف ليقول لهم بأعلى صوته ويتحداهم لأن الروح القدس كان يملئه، ويقول الكتاب: «فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ» (أعمال 2: 37).

لقد ملئت المسيحية أرجاء الأرض. ونشر اسم المسيح في أصقاع الدنيا. هذا هو بطرس الذي انتصرت به وفيه نعمة المسيح الغنية. يخدم سيده ويعيش لأجله، وعندما أرادوا أن يقتلوا بطرس قالوا نصلبه كسيده. فقال حاشا لي أن أُصلب مثل سيدي لقد صلبتم سيدي رافع الرأس. وحاشا أن يكون التلميذ كمعلمه والعبد كسيده. اصلبوني منكس الرأس إكراماً لذلك السيد الأعظم، محبة يسوع لا تسقط أبداً. كما لم تسقط أبداً في حياة بطرس. يا ليته يعطينا أن نقتدي بتلك المحبة. لنعيش طائعين وسامعين. وله نعطي كل المجد.