العودة الى الصفحة السابقة
سؤال الدهور

سؤال الدهور

جون نور


«لِمَاذَا تَحْيَا الأَشْرَارُ وَيَشِيخُونَ، نَعَمْ وَيَتَجَبَّرُونَ قُوَّةً؟» (أيوب 7:21).

لماذا يحيا الأشرار؟

كان هذا سؤال أيوب الصديق وقت أن غمرته التجارب والشدة والضيق. أتصوره وهو الإنسان البار الذي يحب الله والذي يخاف الله من كل القلب. يرفع حاجبيه المتورمين وشفتيه اليابستين قائلاً لأصحابه الذين كانوا يعايرونه. لماذا يحيا الأشرار؟ وهذا السؤال الذي سأله أيوب هو عين السؤال الذي يسأله شعب الله في جميع العصور. ولعل الذين يسألون هذا السؤال لا يُلامون بل يُعذرون، فلماذا يعمر الأشرار طويلاً بينما الأبرار يموتون باكراً؟ أن منسى أشر ملوك يهوذا كان يعمل ما يغيظ قلب الله كل أيام حياته وكان أطول عمراً من الجميع. والأشرار لا يعمرون طويلاً فقط ولكنهم يعيشون في فردوس الرفاهية والتنعم والغنى. انظروا إلى نبي الله العظيم ايليا نبي النار يعيش في فقره، نرى آخاب الملك الشرير يعيش في قصره. وايليا يعيش نزيلاً عند أرملة بائسة ونراه ضيفاً على الغربان، تعوله وتقدم له طعاماً. نرى آخاب الملك الشرير يرتع في بحبوحة من العيش ويأكل ما لذ من الطعام والشراب.

لذلك لا غرابة أن شعب الله في كل جيل يقولون مع أيوب الصديق لماذا يحيا الأشرار؟ وسنحاول بنعمة الله أن نرد على سؤال كل الدهور هذا ذاكرين الأسباب التالية:

1 - يحيا الأشرار إثباتاً لأناة الله.

نحن كبشر إذ نرى الأشرار في الحياة في مجد وسؤدد وفي بحبوحة بينما نحن شعبه وغنم مرعاه. ليس لنا مالهم. تغلي نفوسنا كالمرجل في داخلنا. وأعتقد أنه لو أعطينا السلطان لإبادتهم واستئصالهم لما ترددنا في ذلك إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين أن نقبل هذا الوضع على مضض وعلى كره منا، أما الله الذي يملك كل الوسائل والقدرة لإبادة الجميع في لحظة. الذي عيناه أطهر من أن تنظر إلى الشر – الله هذا يحتمل الأشرار قرناً بعد قرن ليثبت حقيقة صبره واحتماله وطول أناته. إن بقاء الأشرار على قيد الحياة يجعلنا نقرأ فوق كل الأرض من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

نقرأ فوق كل الأرض عن ذلك بحروف بارزة هذه الكلمات: «بر الله» «طول أناة الله» «إمهال الله». أتخيل في بعض الأحيان أحد الملائكة يتقدم إلى الله يقول: «يا رب أسمح لي أن أطلق دينونتك على هؤلاء الأشرار فقد حان الوقت لإبادتهم» وكان الرب يرد قائلاً: «لست تعلم من أي روح أنت أتركهم قروناً أخرى لعلهم يتوبون فأرحمهم».

ما أعجب أناة الله فالأشرار تحيا لإثبات أناة الله.

2 - تحيا الأشرار تبريراً لأحكام الله.

«لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ» (مزمور 51: 4). إن الأشرار يحيون وتطول حياتهم الشريرة لكي يكدسوا شرهم فمتى علا شرهم إلى الغمام ليراه الجميع. حتى متى ضرب الله ضربته وأصدر أحكامه على الأشرار يكون مبرراً في أحكامه لأن الشر لا بد أن يلقى القبض عليه. ولا بد أن توضع الأغلال في يديه ورجليه. ومتى تم ذلك فأن جميع الناظرين يقولون: «بَارٌّ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَأَحْكَامُكَ مُسْتَقِيمَةٌ» (مزمور 119: 137).

3 - تحيا الأشرار خدمة لأبناء الله.

إن الله كثيراً ما يسخر الشر وأعمال الأشرار لخدمة أولاده وشعبه كما نقرأ في تاريخ كورش ونبوخذنصر.

بني جماعة من الملحدين جامعة فسيحة الأرجاء وكان معلميها ومجلس إدارتها من المعلمين المنكرين لوجود الله ومن أعداء المسيحية في الدرجة الأولى.

وبعد أن افتتحت هذه الجامعة لم يجد أصحابها إقبالاً عليها ومنيت بالفشل وعرضت للبيع فاشترتها إحدى الكنائس وحولتها من أن تكون حصناً وجامعة للإلحاد إلى جامعة للمسيح لتدرس الكتاب المقدس. فلئن كان الشيطان قد بناها إلا أن المسيح وضع اليد عليها وبذلك تحقق قول الوحي: «غَضَبَ الإِنْسَانِ يَحْمَدُكَ. بَقِيَّةُ الْغَضَبِ تَتَمَنْطَقُ بِهَا» (مزمور 76: 10).

4 - تحيا الأشرار شهادة لرحمة الله.

إن الأشرار حينما تفتقدهم رحمة الله يتحولون إلى نصب تذكارية لرحمة الله قال بولس: «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا. لكِنَّنِي لِهذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ» (1تيموثاوس 1: 15 و16).

إن الله يسمح للأشرار أن يحيوا ليصنع منهم لآلئ ودرر ثمينة، ليصنع منهم ألسنة من نار لتشهد له لا بل ليصنع منهم جنود صناديد ليحاربوا حروبه.

5 - يحيا الأشرار تأييداً لدينونة الله.

يبدو أن قواعد العدالة والإنصاف لا يراعى تطبيقها في العالم الحاضر الذي نرى فيه الأشرار في الأعالي والأبرار في الأسافل. لذلك كان من الضروري أن يكون هنالك عالم آخر فيه يرفع الأبرار من تحت أقدام الظالمين ويداس الأشرار تحت أقدام الأبرار إلى أبد الآبدين.

لماذا يسمح الله للشرير أن يحيا يرد الرسول بطرس بالقول: «لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (2بطرس 3: 9).

ونحن نسأل إن كان الله قد وعد بتقييد الشيطان وطرحه في الهاوية، فلماذا لا يفعل ذلك الآن؟ أن الله يطيل أناته على ذلك القائد لكل شر. ذلك الكائن الذي تتركز وتتبلور فيه كل دناءة وانحطاط ويطيل أناته عليه ليكون يوماً ما سقوطه عظيماً. وسيأتي ذلك اليوم الذي يقول عنه الرب: «وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 20: 10).