العودة الى الصفحة السابقة
الإيمان العنيد

الإيمان العنيد

جون نور


«14 فَأَجَابَ نَبُوخَذْنَصَّرُ وَقَالَ لَهُمْ: تَعَمُّدًا يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ لاَ تَعْبُدُونَ آلِهَتِي وَلاَ تَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتُ! 15 فَإِنْ كُنْتُمُ الآنَ مُسْتَعِدِّينَ عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلَّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ إِلَى أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا لِلتِّمْثَالِ الَّذِي عَمِلْتُهُ. وَإِنْ لَمْ تَسْجُدُوا فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تُلْقَوْنَ فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَمَنْ هُوَ الإِلهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟. 16 فَأَجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ وَقَالُوا لِلمَلِكِ: يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. 17 هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. 18 وَإِلاَّ فَلِْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ» (دانيال 14:3 - 18).

الإيمان هو العنصر الرئيسي والأساسي في الحياة المسيحية وهو جسر العبور إلى الحياة الأبدية. الإيمان هو غريزة خلقها الله وأوجدها في حياتنا، الإيمان بأمور لا تُرى هو الإيمان، الإيمان بكلمة الله أن لنا حياة أبدية، هو الإيمان بالمجازاة وأن الله صادق في ما وعد وهناك ثلاث أصناف من الإيمان: 1 - إيمان وراثي. 2 - إيمان ميت. 3 - إيمان حي أو الإيمان الحقيقي.

ويمكنا أن نقسم هذا الإيمان الحقيقي الحي إلى قسمين: -

1 - الإيمان الخلاصي وايمان الثقة:

وهذا الإيمان يتم ويكتمل في لحظة واحدة، عندما يشعر الخاطئ بوطأة خطاياه فيلتفت إلى المسيح المصلوب لأجله ويتمتع بغفرانه وحياته، ويتساوى جميع المؤمنين في هذا الخلاص،

اليوم يقف أمامنا ثلاث رجال هم: (شدرخ وميشخ وعبدنغو)، الذين رأوا الأتون المحمى سبعة أضعاف، إن لم يخروا ويسجدوا للتمثال الذي صنعه نبوخذنصر والباب المفتوح لنجاتهم من عذاب هذا الأتون الرهيب، إن رفضوا ما عزموا عليه، لكنهم وقفوا بوجوه ظافرة أمام نبوخذنصر الملك وقالوا بصوت واحد: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. وَإِلاَّ فَلِْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ».

لماذا قالوا هذا الكلام وهم أمام الملك فقط، لأنهم وثقوا في عناية الله لإنقاذهم.

قالوا للملك: أي حتى ولو سمح الله أن نموت حرقاً بنار الأتون فسنستمر على الثقة به، والإيمان بمحبته.

فتشت على اسم أو لقب أطلقه على هذا النوع من الإيمان، فلم أجد اسماً أفضل من أن اسميه الإيمان العنيد.

وهذا هو الإيمان الذي نحتاج إليه في هذا العصر، وسأحدثكم عن هذا الإيمان بكلمتين.

ما هي عناصر هذا الإيمان العنيد؟

1 - العنصر الأول:

تصديق كلمة الله:

لقد صدّق الفتيان الثلاثة كلمة الله وآمنوا بمواعيده، فكان عندهم يقين بأن كلمة الله تعني صوت الله، وأن المواعيد المدونة في كلمته هي المواعيد التي سيتممها، وهو الأمين ولن يحنث بمواعيده. لأن أمانة الله واضحة خلال العصور من دور إلى دور.

لهذا قالوا للملك: «هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ».

أما العنصر الثاني لهذا الإيمان العنيد:

2 - عنصر طاعة كلمة الله:

لا يكفي أن نصدق كلمة الله فقط بل أن نطيعها طاعة كاملة، وهذا ما فعله الفتية الثلاث، ولا بد أنهم قرأوا ما جاء في خروج 20: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ» (خروج 20: 2 - 5). ولا جدال أنهم قرأوا هذه الكلمات وأطاعوها، طاعة تامة.

3 - عنصر الثقة في عناية الله وقدرته:

اسمعوا ما يقولون هؤلاء الفتية: «هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ» .وليس هناك ثقة أعظم من هذا في عناية وقدرة الله إن عناية الله بالمؤمنين عناية واضحة فهو يعتني بكل صغيرة وكبيرة في حياتهم «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ» (متّى 30:10).

إن عنصر الثقة في عناية الله وقدرته يأتي نتيجة الصلاة فهؤلاء تمسكوا بالوعود وصلوا فاستجاب لهم سامع الصلاة، نقول دائماً الله معنا، حقاً الله معنا لكن هل نحن مع الله؟

ثانياً: ثمن الإيمان العنيد

1 - الإيمان العنيد يكلفنا ضريبة الألم:

وهذا ما حدث مع الفتية الثلاثة، فحينما تحدوا نبوخذنصر وتمثاله حينئذ امتلأ نبوخذنصر غيظاً وتغيّر منظر وجهه وأمر أن يحموا الأتون سبعة أضعاف وأمر جبابرة القوة أن يوثقوا شدرخ وميشخ وعبدنغو ويلقونهم في أتون النار المتقدة، وهكذا جاء بهم إيمانهم العنيد. لا إلى نار عادية بل إلى نار محماة سبعة أضعاف، هل لك هذا الإيمان الراسخ المتين، وهل أنت مستعد أن تتألم لأجل المسيح؟

2 - الإيمان العنيد يكلفنا التضحية بالحياة:

لقد فضل الفتية الثلاث أن يموتوا في لهيب النار على أن يعيشوا ويسجدوا للتمثال. ونقرأ عن سر انتصار القديسين على مر العصور هذه الكلمات: «وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ» (رؤيا 11:12).

ولقد قال يسوع: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا» (متّى 16: 24 و25).

إن الإيمان العنيد قد يكلفنا حياتنا.

«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا» (لوقا 26:14).