العودة الى الصفحة السابقة
الرحمة

الرحمة

جون نور


«وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا» (متّى 22:15).

في انجيل متّى والأصحاح الخامس عشر مكتوب انه بينما كان يسوع منصرفاً إلى نواحي صور وصيدا إذ امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم، صرخت إليه قائلة: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا»، ومن حالة المرأة نؤكد أنه ربما كانت هذه هي الابنة الوحيدة لأمها التي عقدت عليها آمالاً كثيرة لأنها ستكون سنداً لها. لكن هذه الآمال خابت وفشلت لأن الابنة مريضة.

فإلتجأت هذه المرأة للمسيح بالإيمان فهي لم تكن تعرف عن المسيح سوى أنه أبن داود. فصرخت إليه من أعماق قلبها، ارحمني يا سيد يا ابن داود.

على أن هذه المرأة واجهتها بعض الصعوبات قبل أن تتحقق رغبتها وتُستجاب طلبتها وتُشفى ابنتها. ولا بد لنا نحن ايضا أن نواجه هذه الصعوبات جميعها. وكانت أول صعوبة هي:-

1 - أن المسيح لم يجبها بكلمة:

ويا لها من تجربة تواجهها هذه المرأة تصرخ وتنتحب بأعلى صوتها والمسيح يسمعها ومع ذلك لا يجيبها المسيح ولا بكلمه واحدة، وهنا نتساءل لماذا لم يجبها المسيح بكلمة. وهناك ثلاث أسباب على الأقل تجعل الله يتمهل في الإجابة على صلواتنا:

1 - لكي يمتحن إيماننا

أراد المسيح أن يمتحن إيمان تلك المرأة ومدى تصميمها على إجابة طلبتها، فإن كانت طلبتها من اللسان فقط، فستكف عن الطلب وتتراجع سريعاً، أما إن كانت صادرة من أعماق القلب وحاجتها ملحة وضرورية، فإنها لن تتحول ولن تتراجع، حتى تنال طلبتها.

الله يتمهل في الإجابة.

2 - لكي نستمر في الصلاة:

لو أن الرب يستجيب لطلباتنا مباشرة من أول مرة لما كان هنالك حاجة لكي نصلي أكثر من مرة واحدة، لذا يتمهل الله في استجابة الصلاة حتى نمكث في محضره أكبر وقت ممكن.

الله يتمهل في الإجابة.

3 - لكي يضاعف لنا البركة:

فبقدر ما يطول انتظارنا بقدر ما تكون مجازاة الإيمان عظيمة، كانت طلبة المرأة منحصرة في شفاء ابنتها لكنها إذا صبرت وانتظرت كان لها أكثر مما طلبت وافتكرت. لم يجبها بكلمة. الصعوبة الثانية كانت:

2 - من جانب البشر:

كنا ربما نتوقع من التلاميذ المرافقين للمسيح حين رأوا صراخ المرأة وانكسار قلبها وأن المسيح لم يجبها بكلمة، يتشفعون من أجلها، ويتقدمون إلى المسيح ملتمسين منه إجابة طلبتها ومساعدتها. فعوضاً أن يساعدوها وضعوا حجر عثرة أمامها، إذ تقدموا للمسيح وطلبوا إليه قائلين: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» (متّى 15: 23).

وكان أيضاً أمام هذه المرأة صعوبة ثالثة واجهتها:

3 - عدم الاستحقاق:

كانت هذه المرأة تأمل أن يخرج المسيح عن صمته ويكلمها مجيباً طلبتها، وها هو قد تكلم فعلاً فماذا قال: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» (متّى 15: 24). أي أنه ليس لك نصيب واستحقاق في إرسالية يسوع لأنك لست من خراف بيت إسرائيل.

كان من المتوقع أن تفشل المرأة وتتراجع عند هذه النقطة كما يفعل الكثيرون، لكن هذه المرأة استطاعت أن تجتاز الامتحان الصعب وذلك بسبب:

1 - الإتضاع:

«فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ» (متّى 15: 25).

لم تغضب هذه المرأة، ولم تحاول أن تجادل المسيح وتقنعه، ولم تحاول أن تغير حقيقة الواقع لكنها تواضعت وانكسرت أمامه، وكأنها تقول أنا لا أستحق شيئاً بالمرة، وسجدت.

لعل المعطل لاستجابة الكثير من الصلوات التي نرفعها هو عدم الصلاة بالإتضاع، واجتازت هذا الامتحان أيضاً عن:

2 - طريق التسليم:

فأتت وسجدت له قائلة: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» (متّى 15: 25)، بالطريقة التي تراها مناسبة، فإن كانت مشيئتك أن تشفي ابنتي فليكن كما تريد. فقط أعطني نعمة لأتحمل التجربة وأقبل مشيئتك بالشكر.

لاحظوا إن هذه المرأة صمدت واجتازت الامتحان الثاني بالاتضاع والتسليم بقي عليها امتحان آخر ينبغي أن تتغلب عليه.

كان الامتحان الثالث هو:

3 - امتحان شهادة النجاح أو التزكية:

«فَأَجَابَ وَقَالَ: لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب» (متّى 15: 26).

فكانت بحكم أصلها غير قادرة على أن تنال بركة من شخص المسيح.

ومع هذا استطاعت هذه المرأة بصبرها وإيمانها أن تتغلب على هذه الصعوبات البالغة وأن تفتح الباب المغلق. كيف؟

كل ما قلته يا سيد صحيح أنا امرأة خاطئة وثنية شريرة نجسة مثل الكلاب لا أستحق إلا الطرح في جهنم، أنا معترفة بكل ذلك.

حينئذ أجاب يسوع وقال لها: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!» (متّى 15: 28). لاحظوا كلمة حينئذ أي بعد أن اجتازت هذه المرأة الامتحان النهائي وحصلت على شهادة النجاح.

«لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ» (متّى 15: 28). وهذه هي نتيجة الطاعة والتسليم لإرادة الله، لقد أعطاها الرب شيكاً مفتوح على بنك السماء وما عليها سوى أن تحدد ما تريد، ليكن لك ما تريدين، بدل شفاء ابنتها فقد أعطاها الرب كل ما تريد، وسيعطينا الرب كل ما عنده فشفيت في تلك الساعة ابنتها في الحال.