العودة الى الصفحة السابقة
مجيء المسيح الثاني

مجيء المسيح الثاني

جون نور


حادثة تمت في التاريخ الماضي هي أن يسوع جاء إلى العالم متجسداً لأجل عمل الفداء وخلاص البشر.

إن مجيء المسيح ثانية. ركن من أركان الإيمان المسيحي وعقيدة ثابتة تفتخر بها الكنيسة على مر الأجيال. وهو رجاء الكنيسة الوحيد الأسمى. الذي لم يتم بعد.

قال يسوع: «هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا» (رؤيا3: 11). ومضى على هذا القول ألفان من السنين، ومع ذلك فهو لا يزال قائماً. لأن ألف سنة عند الرب كيوم. ويوم كألف سنة، لكن الكثيرين من المسيحيين على مر العصور اخطأوا طريق الانتظار بانشغالهم بتعيين زمان مجيء المسيح على أرقام حسابية، ونبوات العهد القديم. وحددوا اليوم والساعة. وقد خاب حسابهم. فخاب رجاؤهم وزل يقينهم. فارتدوا عن الإيمان. فقد دوَّن التاريخ هذه الحادثة التي جرت في لندن إذ قامت جماعة تقول بأن نهاية العالم ستكون يوم الجمعة وأقنعوا أهل المدينة بذلك، وكان ذلك يوم أربعاء، فصرف أهل المدينة الأيام الثلاثة الباقية في بكاء ونوح وصيام مجتمعين في الكنائس تاركين شهواتهم وملذاتهم. عابدين الرب بعزم القلب. بنية التوبة. والندامة على عيشة الشر السابقة. وانتظروا الأيام الباقية بهذه الحالة الخشوعية إلى أن جاء يوم الجمعة. ولم تصدق نبوات المتنبئين فانقلب الحال وصار رد الفعل بما لا يتصوره العقل. إذ تبدلت المعابد إلى حانات. والبكاء والنوح إلى رقص. والخشوع إلى تهتك واستهزاء. فهل حالنا الآن بأحسن حال منهم ومن حالهم فقد تركنا أبسط الأمور الروحية والتمسك بها. وعشنا وكأن الله غير موجود. في كل أمر من أمور حياتنا. حتى تلاميذ يسوع أنفسهم كان يشغلهم هذا الأمر فقالوا لسيدهم مرة:

«مَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟» (متّى 24: 3). وإذا تأملنا جيداً في جواب يسوع لا نجد أنه يحدد يوماً أو ساعة بل يقول إن هذه الساعة لا يعلم بها أحد حتى ولا ملائكة السماوات. فقد قال لهم: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ» (أعمال الرسل 1: 7).

فعلى هذا الأساس يجب أن نصمت وننتظر دون البحث في مجيء الرب وزمانه. على أنه يجب أن ننادي دائماً بأن مجيئه قريب دون تحديد أو تقييد. العبد الرديء يقول في قلبه سيدي يبطئ قدومه فيبتدئ يضرب العبيد رفقائه. ويأكل ويشرب مع السكارى. أما سيده فيأتي «فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، فَيَقْطَعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ» (لوقا 12: 46). «هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (متّى 8: 12).

يقول الكتاب لذلك: «اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ» (متّى 24: 42).

إذاً ماذا يجب أن يكون موقفنا إزاء مجيء المسيح الثاني؟ كمسيحيين يجب: -

1 - أن نحيا حياة الاستعداد والسهر:

فعلى كل مسيحي أن يحيا منتظراً سرعة مجيء الرب. يستعد استعداداً من القلب والضمير. يحيا حياته لابساً فيها لباس العرس. مستعداً لمجيء العريس.

ويجب على الكنيسة أن تكون أبداً. مستعدة سرجها موقدة، وأحقاؤها ممنطقة، مشرئبة العنق نحو السماء تترقب الوقت الذي فيه تنشق السحب وينجلي لها ابن الإنسان.

فعلينا أن نحوّل كل أفكارنا، وأحاديثنا، وحياتنا. وأن نركز كل اتجاهاتنا. لمجد الله وخدمته وخدمة الآخرين. حتى إذا فاجأنا السيد يجدنا ساهرين قائمين بواجبنا خير قيام.

لأنه كلما امتلأنا بروح الانتظار. كلما زهدنا هذا العالم الزائل. ومجده الباطل.

أيضاً موقفنا كمسيحيين إزاء مجيء المسيح ثانية يجب:

2 - أن يبعث بنا حياة القداسة:

في 2بطرس 11:3 و12 و14 يقول الكتاب: «فَبِمَا أَنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ. لِذلِكَ اجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ».

لا شيء في العالم يساعدنا أن نحيا حياة القداسة والطهارة، أكثر من توقعنا وانتظارنا لمجيء المسيح في كل لحظة، كما يقول الرسول يوحنا «وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ» (1يوحنا 3:3).

أي يجب أن تكون طهارتنا كطهارته، وقداستنا كقداسته، لأن الكتاب يقول: «نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ» (1بطرس 1: 15) قداسة في النظر وقداسة في العين. قداسة في السمع. وقداسة في الميول. قداسة في الشعور والإحساس. وقداسة في كل سيرة وصورة.

أيضاً موقفنا إزاء مجيء المسيح ثانية يجب:

3 - أن يدفعنا لكي نملأ نفوسنا بالعزاء والرجاء والسلام:

إن انتظار مجيء المسيح ثانية. هو عزاء كل مسيحي فإذا ثقلت قلوبنا بهموم العالم. فلنرفع عيوننا إلى فوق. من حيث تقترب نجاتنا. وحينما تتكاثر علينا الهموم والسهام الشريرة. فلنتعزى ونترجى مجيء مخلصنا على السحاب. ونعزي بعضنا بعضاً بكلمات الرسول الذي يقول: «لأَنَّ الرَّبّ نََفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ» (1تسالونيكي 16:4 - 18) هذا إعلان واضح وصريح، يسوع سيأتي للذين هم له. هذا هو رجاء شعب الله المبارك، إننا سنراه وجهاً لوجه، وتقع عيوننا على شخصه العزيز، من الذي يستطيع أن يعبر عن فرحته بتلك اللحظة.