العودة الى الصفحة السابقة
مثل البرج الناقص

مثل البرج الناقص

جون نور


«25 وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: 26 «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. 27 وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. 28 وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ 29 لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ، 30 قَائِلِينَ: هذَا الإِنْسَانُ ابْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ. 31 وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟ 32 وَإِلاَّ فَمَا دَامَ ذلِكَ بَعِيدًا، يُرْسِلُ سِفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ. 33 فَكَذلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. 34 «اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلكِنْ إِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ، فَبِمَاذَا يُصْلَحُ؟ 35 لاَ يَصْلُحُ لأَرْضٍ وَلاَ لِمَزْبَلَةٍ، فَيَطْرَحُونَهُ خَارِجًا. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ» (لوقا 25:14 – 35).

إن مثل هذا البرج الناقص الذي قدمه السيد المسيح لوقا 25:14 – 35 غني بالفوائد والعبر كباقي أمثاله التسعة والعشرين في العهد الجديد فكثيراً ما نرى أبنية ابتدأ أصحابها في البناء ثم تركوها فبقيت قائمة بشكلها الناقص سنين عديدة مشوّهة جمال المنطقة القائمة فيها.

وكثيراً ما تكون حياتنا وعملنا كهذه الأبنية لذلك أعطى يسوع ذلك المثل لأنه عرف الحياة التي سنحياها معرفة كاملة ويعرف بأننا نعيش حياة غير كاملة وبها نقصات كثيرة لهذا يعلمنا يسوع في هذا المثل أن الحياة مع الله والسير معه مكلفة وذات نفقة وتحتاج إلى استعداد وتضحية لأن التحلي بالإيمان والمحبة والأخلاق يكلف كثيراً كمن يجمع مواد للبناء. لذا يتوجب على المرء أن يحسب النفقة وإلا كانت حياته مثل ذلك البرج الناقص فيبدأ الناس يهزئون به قائلين ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل.

ولعل يسوع كان يريد بهذا المثل أن يرينا نقصاً فينا وفي الحياة التي نحياها.

فما هي هذه النقصات التي نحياها ونراها ونجتازها؟

1 - سلام ناقص: -

فالسلام الذي يقدمه العالم سلام ناقص وفداحة الحروب وكل مخاسرها لم تستطع أن توجد سلاماً على الأرض.

فبالرغم من خسارة الملايين من النفوس البشرية والميليارات من الدولارات فما زلنا نعيش اليوم وكأننا على فوهة بركان بسبب الأحداث المثيرة التي تهز أركان منطقتنا وتزرع الذعر والهم في القلوب يخبرنا التاريخ أنه في زمن قياصرة الرومان كان قتل النفس الواحدة يكلف 20 قرشاً أما في زمن الثورة الفرنسية فأصبح يساوي قتل نفس واحدة 1000 دينار.وفي الحرب العالمية الأولى كانت تكلفة قتل انسان واحد تساوي 7000 دينار. وفي الحرب العالمية الثانية 15000 دينار.

أما الآن في عصر التكنولوجيا فقتل نفس واحدة يساوي الآن 01ر2 مليون دولار.

فما هو السلام الذي يقدمه العالم إن كان قتل إنسان واحد يكلف مثل هذا المبلغ هل قدم العالم السلام رغم مؤتمراته واجتماعاته الأمنية أم هل سنجد السلام في خزن ما تيسر وفي صندوق ادخار أو في الهرب من دولة إلى دولة ..... كلا فالحرب الحقيقية ما زالت قائمة لأن العشرات من أولاد الله قد ماتوا في هذا العالم صرعى الخطية في ابتعادهم عن سلام الله المعلن في المسيح يسوع لقد بلغ عدد القتلى في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين قتيل. وكم وكم في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والحروب في أمريكا اللاتينية وفي اليمن وسوريا والعراق.

فأين السلام في هذا العالم المضطرب؟

تقرير للصليب الأحمر في عام 1969 قال بأن نفقات التسلح في القرن العشرين بلغت بترليوني دولار أي رقم 2 وأمامه 18 صفراً مع 130 صراع دولي.

أما الرئيس الامريكي أيزنهاور فقال بأن ثمن قاذفة قنابل واحدة يكفي لبناء 30 مدرسة ثانوية ومحطتين لتوليد الطاقة لمدينة عدد سكانها مليوني نسمة مع مستشفيين بكامل معداتهما.أما ثمن مدمرة حربية فيساوي 8000 منزل لثمانية آلاف عائلة.

فأين السلام في هذا العالم المضطرب؟

قال يسوع: «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا» (يوحنا 14: 27).

سلام ناقص وأيضاً:

2 - كنيسة ناقصة:

لقد عملت الكنيسة أموراً خطيرة وعظيمة جداً فبعد قرون من الاضطهاد والجور استطاعت الكنيسة أن تربح لنفسها الاحترام والإكرام - وأصبح هذا الاحترام والإكرام وما زال سبب ضعفها إذ أصبحت الكنيسة تهتم بالاحترام الخارجي أكثر من اهتمامها بنشر وتعاليم المسيح ورسالته.

وإن كانت قد نشرت اسم يسوع ولكنها في كثير من الأحيان لم تستطع أن تطبق تعاليمه وروحه على هؤلاء البشر.

إن الرب يسوع وضع الكنيسة في المقام اللائق بها وصوّرها مدينة مبنية على جبل. لذا فعلامة حياة الكنيسة وسر عظمتها أن ترفع نور المسيح عالياً وتشعل المشعل وتقود الطريق لا أن تحرس المؤخرة.

رسالة الكنيسة هي نفس رسالة مؤسسها التي أعلنها للناس في بلدة الناصرة «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ» (لوقا 4: 18 و19).

سلام ناقص / كنيسة ناقصة وأخيراً:

3 - حياة ناقصة:

قال أحد الفلاسفة بأن الإنسان مجموعة من الخلايا الحية تسير نحو مصيرها النهائي فتصير كومة من التراب تصلح لسماد الأرض.

أما تحديد المسيح لعلاقتنا بالله فهو أننا أبناء الله «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ» (يوحنا 1: 12).

لقد قال أحد رجال الله: - إننا نسيء للمجتمع بتصديرنا أعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين والعلماء والمهنيين، ونهمل في هؤلاء الغاية العظمى من الحياة ألا وهي الحياة المسيحية الحقيقية الصحيحة.

فيما النفع إن علمنا أولادنا ما نريد وكانوا عباقرة ولكنهم بدون المسيح الرب الإله يساعدنا لكي نكمل نصيبنا في إقرار السلام على الأرض ونتمم حصتنا في جعل كنيسة المسيح كاملة وبلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح ولكي نتمم حياتنا بخوف الله ومحبة وخدمة القريب فنسمع أخيراً تلك الدعوة اللطيفة.

«نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متّى 25: 21).