العودة الى الصفحة السابقة
قيود المسيح

قيود المسيح

جون نور


«ثُمَّ إِنَّ الْجُنْدَ وَالْقَائِدَ وَخُدَّامَ الْيَهُودِ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ» (يوحنا 12:18).

صورة غريبة ومثيرة مشهد عجيب رهيب... مذكورة في إنجيل يوحنا الأصحاح الثامن عشر والعدد الثاني عشر المسيح مقيد... لا أقدر أن أتصور مشهداً أكثر إثارة وإدهاشاً... الإنسان الضعيف المزدري وغير الموجود يمد يديه ليقيد الخالق.. الأيدي التي أوجدت الوجود وأبدعت الدنيا التي بها كان كل شيء وبغيرها لم يكن شيء مما كان. تمتد أيدي البشر الضعاف لتكبلها بالقيود...

قد يكون مؤسفاً أن تمتد يد الجند والكهنة على يسوع وتقيده ولكن من المؤسف أكثر أن تمتد أيدي كثيرة في هذه الأيام ليقيدوا يديَّ يسوع ورجليه... ألا يزال المسيح في أحوال كثيرة مقيداً إلى يومنا هذا، أما زلنا نشترك في وضع القيود في يديه ورجليه. لكم شهد التاريخ أن المسيحيين كانوا سبباً في تقييد المسيح والمسيحية أكثر من غير المسيحيين... قيدنا المسيح. وكم باسم المسيح جزأنا المسيح، وكم باسم المسيح طعنا المسيح. وكم باسم المسيح سببنا آلاماً للمسيح.

في هذا الحلقة أريد أن أتكلم عن القيود، تلك القيود التي نقيّده بها: -

تعالوا بنا نسأله في هذا الحلقة ما هذه القيود التي في يديك ومن أي شيء تُصنع؟

وما أريد قوله بأنه لا توجد قوة واحدة في العالم تستطيع أن تقيّد يسوع لا حديد ولا سلاسل ولا جنازير ولا شيء من هذا، ولكن أريكم ما هو أخطر وأمر وأشد يمكن أن تتقيد به يدي المسيح حتى لكأنه يقف معدوم القوة والقدرة... أية قيود هذه التي قيّدناه وكأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً. دعوني أذكر بعضاً من هذه القيود التي كثيراً ما اشتركنا نحن في تقييد المسيح بها.

1 - إننا نقيده بعدم إيماننا: -

إذا سألت اليوم هل يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، ماذا يكون الجواب. هل لا تزال قوته كما هي هل ما زال سلطانه ومجده كما هو. ذلك الذي عبَّدَ بقدميه أعالي أمواج بحر الجليل… ذلك الذي قال بكلمة واحدة: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!» (يوحنا 11: 43)، والذي أشبع الجياع بخمسة أرغفة وسمكتين. الذي صرخت الشياطين في محضره: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا!» (مرقس 1: 24) قبل الوقت... نعم لقد انتزع ذلك الإله العجيب في صوت الإنسان انتزع الشهادة من أفواه الشياطين، هذا الإله يقف عاجزاً. وكأنه لا يستطيع أن يتحرك.

بسبب عدم إيماننا كثيرون ينظرون إلينا اليوم ولا يستطيعون أن يصدقوا أو يقتنعوا أننا أتباع ليسوع المسيح. هل من ينظر إلينا يقدر أن يؤمن أننا نؤمن بمسيح حي؟!!... كثيرون يتقمصون شخصية المدافع عن المسيحية والمدافع عن العقيدة. والمدافع عن الإيمان، نقول: حي هو الرب. ولكن حقيقة هل هو حي في حياتنا، كيف يكون الرب حي؟ ونحن نحمل هموم الدنيا فوق رؤوسنا. ونحن نحمل هموم.

كيف يكون الرب حي؟ ونحن نعبر جسوراً قبل أن نصل إليها ونحن نفكر في أشياء وهمية لا حقيقة لها. إننا نقيده بعدم إيماننا.

وكم وكم من مرة نقدم يسوع للناس من خلال تصرفاتنا كأتباع وخدام للمسيح نقدم صورة غير حقيقية عن الإله الذي نعبده ونخدمه؟

انظروا أن لا تقدموا صورة مهزوزة ليسوع أمام العالم...

2 - نحن نقيده بكبريائنا وتعالينا: -

قال يوحنا: «يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ» (يوحنا 3: 30). في يوم من الأيام كان يسوع في طريقه إلى أريحا واشتهى زكا أن يرى يسوع ولكنه لا يستطيع أن يرى يسوع لأنه قصير القامة... ولم يكن هذا هو السبب الذي منعه من رؤية يسوع بل كان هنالك أناس طوال القامة حول يسوع.

ورأسهم أعلى من رأس يسوع. ويسوع لم يعد منظوراً منهم. يريدون أن يتولوا زعامات وقيادات، لقد تمزق جسد المسيح وكنيسة المسيح بسبب هذه الأمور، حب الزعامة والتسلط والقيادة. انسلاخات كثيرة في جسد المسيح بسبب هذا الأمر.

يا ليتنا نرجع إلى حق الله كما هو معلن في الكلمة المقدسة. لا أن نقول واحد أنا لبولس، وآخر يقول أنا لأبولس وآخر يقول أنا لصفا، وهكذا ترون أن الانقسامات في الكنيسة المسيحية ليست وليدة الساعة إنها منذ القدم لأن روح الكبرياء وروح التعالي وروح الأنانية، وروح الذاتية. تستتر وراء أشياء كثيرة ربما تكون مغلفة بالتقوى أو بالروحانية لكن أساسها...

هلم نصنع. هلم نبني لأنفسنا برجاً. ونصنع لأنفسنا اسماً. وهكذا يتمزق جسد المسيح بهذه الكيفية. بماذا نوثقه وبما نقيده.

3 - نقيد يسوع بخوفنا: -

نقيده بتعصبنا لآرائنا وأفكارنا... كم تتعطل المسيحية بسبب هذا الأمر.

ما يُسمى بالتعصب مسألة قديمة وقع فيها أقرب اثنين إلى شخص الرب يسوع. التلميذ الذي كان يسوع يحبه يوحنا... قال ليسوع: «رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ...» (لوقا 9: 49) قال يسوع: «مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا» (لوقا 9: 50) ومن المؤسف أن يحدث هذا بيننا كمسيحيين في هذه الأيام نقدم مسيحاً متعصباً أحدث وأقوى من الذي يقدمه الآخرين.

ما الذي أوثق يديه ورجليه. ما الذي أوقفه في هذه الصورة الرهيبة... ما الذي جعل الذي «لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ» (فيلبي 2: 6 و7). ما الذي أوصله إلى هذه الحالة يلطم على وجهه يبصق عليه وتقيد يدياه لماذا... «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء 53: 5). خطيتي وخطيتك هي التي مثلت به وجعلته يُصلب بين المذنبين... «الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» (2كورنثوس 5: 21). الخطية هي التي أهانت يسوع وأوثقته وهي جرحته هي التي مزقت جسده.