العودة الى الصفحة السابقة
يسوع المحب الحنون العطوف

يسوع المحب الحنون العطوف

جون نور


يسوع المحب الحنون العطوف، يسوع ذو القلب الذي يحب الفقراء والمساكين والأطفال، يسوع الذي لم تخرج من فمه كلمة بطالة ولم يوجد في فمه غش، ذو اللسان الحلو. في يوم من الأيام تفوه بهذه الكلمات القاسية عند دخوله إلى القدس.

«سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ» (لوقا 19: 43 و44).

لأن هذه المدينة قد نسيت أو تناست زمان افتقادها المتكرر من قبل الله.

فمن كثرة ما سمعوا وسمعنا عن محبة الله ولطف الله وعنايته من خلال المواعظ الجميلة والمرتبة أصبحنا تقليديين وننسى أن الله قدوس وعادل كما نسى أهل أورشليم.

لقد اكتفى الناس بالشكليات الدينية والمظاهر الخارجية في غير اكتراث لفساد قلوبهم وموت ضمائرهم - يصلون وكأنهم على علاقة وثيقة وعميقة مع الله... منطبقاً عليهم قول الكتاب: «هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي» (إشعياء 29: 13).

لقد كان يسوع نبعاً فياضاً من الحب والحنان فعاش مع الناس ولم يترفع عنهم دخل إلى بيوت الفقراء والمساكين فقالوا عنه إنه محب للعشارين والخطاة… لأنه لم يدخل إلى بيوت.

دخل يسوع الى بيت رجل خاطئ وهكذا لم يعرفوه لقد كان يسوع إعلاناً عن محبة الله، أراد أن يصالح الناس معاً ومع الله. أراد أن يهدم سياج التفرقة والعنصرية وأن يقرّب الناس إلى الله. لكنهم أي هؤلاء أرادوا أن يقرّبوا الناس إليهم وليس إلى رئيس السلام، لقد أرادوه رجل حرب لا رسول سلام ومصالحة، أرادوه مسيحاً يحمل سيف الانتقام لا غصن الزيتون لذلك لم يعرفوه بل صلبوه وبإكليل شوك توجوه فكانت هذه لعنة الجهل «لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ» (1كورنثوس 2: 8).

مسيح هذا العالم الذي صنعوه لأنفسهم ينفق على الحرب العالمية الأولى أربعين بليون دولار لصنع أسلحة الدمار ويقدم عشرة ملايين من نخبة شبانه سداً لمطامع عصابات شرهة من المسيطرين والأغنياء.

لقد قدموا للعالم شعلة الشر فامتد لهيبها إلى كل بقعة فيه… في عالم يبذل أضعاف ما يبذله من المال والرجال على آلة الشر والحرب في عالم يحكمه الشر ويتسلط على جميع مقدراته… في عالم كهذا لا بد من وجود الشقاء والتعاسة والفقر والمجاعة... ولا يمكن للقدرة الإلهية أن تنجي الفرد من عوامل الشر هذه إن لم يكن هذا الإنسان نفسه ملكاً للرب ولمسيحه.

عبثاً نطلب من الله أن يمنع الحروب... كيف يمكن أن يبطل الله الحروب؟ والإنسان نفسه لم يتعلم وما زال ذلك الإنسان يؤمن ويعتقد بتحكيم المدفع والسيف لحل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

لقد صار للناس في هذه الأيام مسيح آخر غير يسوع لقد خلق الناس لأنفسهم مسيحاً جديداً أسموه يسوع وهو من خيالهم واختراعهم، إنه مسيح البرّ الذاتي، واحتقار الآخرين، مسيح الأنانية. باسم الدين والانتقاد باسم النقاوة والتشفي باسم الغيرة والانتقام باسم الكرامة.

أيها الأحباء ليس هذا هو مسيحنا... مسيحنا هو الذي عاش فينا واختبرناه فأصبح لنا وفينا. أصبح لنا مخلصاً وفادياً ليعلمنا التواضع كأسلوب ومنهاج لحياتنا.

أخشى أننا نسينا في وسط ثقافتنا وتعليمنا وشهاداتنا أخشى أننا أصبحنا نحس أننا لسنا بحاجة للرب وأن الرب هو الذي بحاجة إلينا وأصبحنا نعيش على إخفاء المسيح خلف المذبح وإظهار أنفسنا فلم يعد له مكان في وسطنا.

لعل الكثيرين لا يقفون موقف العداء من المسيح ولكنهم للأسف لا يقفون معه، فإما أن تتحداه وتنكره وإما أن تضع حياتك عند قدميه. لا مكان للوقوف على الحياد، مثلما فعل بيلاطس غسل يديه وتنصل من المسؤولية، نحن قد نغسل أيدينا في بعض الأحيان ونحاول التملص، ولكن هذا بعينه بمثابة الاشتراك في صلب المسيح.

ولادة يسوع وحياته بيننا لثلاثين عاماً ليست حدثاً أو تاريخاً سُجل في كتب التاريخ، بل لكي نكتشف حقيقة رائعة، أن «اللهَ مَحَبَّةٌ» (1يوحنا 4: 8) وهو يحبنا وأن محبته هذه قد تجسدت بموته الكفاري على صليب الجلجثة عن كل واحد منا.

نعم المحبة تجسدت فصار الحب إنساناً يمشي على الأرض في شخص المسيح وعاش يسوع بين الناس فرأوا الله فيه متجسداً... في كلامه تحدث عن حب عجيب وفي صلبه قدّم حب عجيب، في كلامه... تحدث عن حب لم تألفه آذاننا... «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (متّى 5: 44).

إن الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن أذهاننا أن الله لا يهمه المظهر بقدر الجوهر وأن مقاييس الله أسمى بكثير مما يظن «الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب».

لقد جاء المسيح متجسداً وصُلب لكي يستأسر أفكارنا لطاعته وقلوبنا لمحبته وحياتنا لخدمته، لقد جاء المسيح متجسداً لكي يتصور فينا فنترجمه للآخرين حباً وتضحية وحناناً.

Table 1. 

يا من بحثتم عن الحب بلا أملجاء المسيح فصار الحب إنساناً    
هيا إليه ذوقوا من محبتهمن طيب ذا الحب يشدوا القلب ألحانا    
وكرسوا النفس في إتمام طاعتهفيملأن بالحب عقلاً ووجداناً