العودة الى الصفحة السابقة
التجارب في حياتنا

التجارب في حياتنا

جون نور


«وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ: يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ» (عبرانيين 5:12).

إن حياة المسيحي المؤمن عبارة عن جهاد مستمر وتضحية متواصلة، هي عبارة عن انتصار يتلوه انتصار، وغلبة تعقبها غلبة وفوز يجيء في أعقاب فوز، هي سلسلة من الانتصارات الباهرة التي يحصل عليها كل من جاهد الجهاد الحسن. وأكمل السعي وحفظ الإيمان، ولا مفر لكل مسيحي يعيش كما يحق لإنجيل المسيح من أن يجتاز عقبات وتجارب قاسية، ويجوز وسط نيران شديدة الاضطرام، تنقيه وتصفيه وتهيئه، لأن كل أعمالنا وحياتنا ستُمتحن بنار الروح القدس.

نيران هذا العالم لا بد أن تلدغنا فتصيبنا، وتترك بصماتها في حياتنا، ومن هذه النيران:

1 - نيران التجارب

ويسوع بالذات قد تعرّض لنيران هذه التجارب وفاز عليها بكلمة الله المكتوبة، وعندها كانت الملائكة حاضرة لتخدمه.

إن بطرس الرسول كان على خطأ عندما اعتقد وادعى بأن التجارب أضعف من أن تنال منه فقال ليسوع: «وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ!» . لكن جواب يسوع له كان: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» (مرقس 29:14-31).

وهكذا قال أيضاً الجميع، ولكنه عندما سقط في التجربة ذهب وبكى بكاء مراً، إننا لا نمر في العالم دون امتحان إيماننا بيسوع المسيح وإخلاصنا له، وشهادتنا لمبادئه وتعاليمه، ففي كل يوم يمكننا أن ننكره وأن نخونه فنسلمه، كما يمكننا أن نسهر معه ونشهد له ونكون أمناء في تطبيق مبادئه في حياتنا.

كان بطرس متحمساً محارباً، وجريئاً، ولكنه كان عرضة لنقائص عديدة ككل إنسان آخر.

لقد أظهر بطرس شجاعته الكلامية فقال لسيده: «وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ!»، ولم يلبث طويلاً حتى ظهر نكرانه للمسيح، فجلس يراقب سيده من بعيد كما يفعل الكثيرون اليوم يراقبون يسوع من بعيد، يتبعونه من بعيد، يعبدونه من بعيد، ويصلون من بعيد، حتى أصبحت صلواتهم لا تطال أبواب السماء، لقد أصبحت بيننا وبين المسيح مسافات شاسعة وحواجز مانعة، وخوف من الجماعة، وعدم الاستعداد للخروج عن التقاليد، فاقترب بطرس من نار الأعداء ليصطلي عليها، كما يفعل الكثيرون اليوم، إذ يحاولون تدفئة نفوسهم على نيران أعداء المسيح.

أيها الأحباء: إننا عندما نبتعد عن شعب الله، أي كنيسته، فإننا ندفئ أيدينا على لهيب هذا العالم، ومحبة العالم والتشبه به وأصبحنا نشاكل هذا الدهر في السير بعكس الطريق الإلهي المرسوم والموضوع لنا.

فإذا جزت في وسط التجارب فلا تقل إني أجرب من قبل الله لان الله غير مجرب بالشرور ولا هو يجرب أحداً.

وبكلام آخر تمسك بيسوع تأمن السقوط في التجارب، وإذا لم تستطع فعساه هو بدوره يلتفت إلينا التفاتة خاصة تصل إلى أعماق نفوسنا، فنعود إلى رشدنا فنقول عندئذ:

«أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ» (لوقا 18:15 و19).

2 - وهناك أيضاً نار تأديب أولاد الله

«يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ... لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ» (عبرانيين 12: 5 و6).

دخل ملحد دكان حداد وأخذ يحدثه قائلاً: «ما أعجب هذا الإله الذي تعبده، فهو لا يعتني بك ولا يهتم بك، أنظر ها قد ضربك في الصميم، تجارتك كاسدة وأمات هذا الإله امرأتك بالمرض، أما أنا فانظر إليّ، أملك كل شيء، وأحصل على كل ما أريد بدون إلهك هذا، أما أنت فقد أدبك هذا الإله الذي تحبه وتعبده، في عملك وعائلتك وحياتك».

كان الحداد منهمكاً في عمله، فلم يجبه فقال له الملحد: «لماذا لا تجيب؟» قال له الحداد: «لقد أجبتك وكان جوابي عملياً. ألم ترني أحاول تطويع هذه القطعة الحديدية فلم أجدها صالحة، فرفضتها ورميتها بين النفايات واستبدلتها بغيرها وها هي تلين وتتشكل تحت مطرقتي حسب رغبتي بالضبط، هذا ما أراه بشأني وشأنك وارجح أن الله قد طرحك خارجاً وأخشى أن يكون قد رماك بين النفايات ولا يريد أن يزعج نفسه أو يعيرك اهتمامه».

أيها الأحباء لا تضلوا فالصحة والمادة ليست دليل النجاح وعربون محبة الله ورضاه، وهنالك امتحان آخر هو:

3 - امتحان الأساس

جاء في رسالة بولس إلى أهل كورنثوس قوله: «لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هذَا الأَسَاسِ: ذَهَبًا، فِضَّةً، حِجَارَةً كَرِيمَةً، خَشَبًا، عُشْبًا، قَشًّا، فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ» (1 كورنثوس 3: 11 - 13).

وهذا يعني أن أعمالنا ومقاصدنا ونوايانا جميعها ستوضع على محك التجربة، إن بعضهم يبنى وقد وضع هذا الأساس ذهباً، فضة، حجارة كريمة، عشباً، قشاً، بعضهم يقدم لله أفضل ما عنده، والبعض الآخر يقدم نفايات ما عندهم، ونفايات أوقاتهم.

الذهب يشير إلى كأس ماء بارد يسقي باسم المسيح، فهل نقدمه وحولنا الكثيرون من إخوة المسيح الأصاغر يحتاجون لمساعدتنا؟ فهل نجتاز نار التجربة والتأديب والأساس بشرف وإباء لكي نوجد مطهرين بالروح القدس فننال إكليل المجد الذي أعده لنا ولجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً له المجد مع أبيه السماوي وروح قدسه من الآن وإلى الأبد.