العودة الى الصفحة السابقة
المال في نظر يسوع المسيح

المال في نظر يسوع المسيح

جون نور


من أهم الأمور في كل ناحية من نواحي حياتنا الروحية، ومن خلال دراستنا للكتاب المقدس أن نعرف دائماً فكر المسيح، وأن نفكر كما فكر هو، وأن نحس كما أحس هو، فلا توجد مشكلة تعترضنا أو أمر يخصنا إلا ووجدنا في كلمات يسوع ما يكفي لإرشادنا ومعونتنا.

يعلمنا يسوع في كلمات الوحي الإلهي كيف نسلك في القداسة، وفي الإيمان وكيف يجب أن نعيش كما يحق لإنجيله؟ يسوع كان ينظر إلى كل أمر بمنظاره الثاقب، فيعطينا تعليماته الإلهية، كيف نسلك فيها وكيف نتصرف، فيسوع الذي دخل أرضنا من أبوابها السفلى، قلب المفاهيم رأساً على عقب. لقد جاء وحل بيننا لا ليأخذ أو ليدين أو ليرعب، أو ليرهب، بل جاء ليعطي، فأعطانا من ملئه نحن الذين آمنا باسمه، أعطى الجميع ولا يزال يعطي «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا» (يوحنا 1: 16)، هو أعطى نفسه، قدم نفسه من أجلنا، عندما نقول كلمة عطاء، فكثيراً ما يتبادر إلى ذهننا العطاء المادي، ويتبادر إلى ذهني قول الرسول عن أهل مكدونية الذي قال عنهم «أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ» (2كورنثوس 8: 5) فهذا كل ما يطلبه الله من الإنسان، أما الباقي فهو يتممه، وبمعنى أوضح أن عطايا الإنسان لله ليس لها قيمة، إلا إذا أعطى الانسان نفسه لله أولاً.

أريد في هذه الحلقة أن أقترب إلى موضوع حساس، لا يتطرق إليه الكثيرون ، لفرط حساسيته، وهو موضوع المال والعطاء.

أريد أن أسأل ماذا علّم يسوع عن المال وماذا يريد أن يعلّمنا عن المال وما هو الموضع الذي يحتله المال في حياتي، كيف اقتني المال وكيف أنفقه؟

أتخيل يسوع وهو جالس تجاه الخزانة في الهيكل يراقب الناس وهم يقدمون عطاياهم. الرب جلس يراقب عملية تقديم العطايا، ووزن كل عطية بميزانه الإلهي، فلا توجد عطية لأي ناحية من عمل الله، كبيرة كانت أم صغيرة، دون أن يلاحظها ويكتب عليها قيمتها.

فالكثير من التقدمات سواء في بيوت العبادة أو قوائم التبرعات أو الاشتراكات أو المناسبات الخاصة تقدم فقط على سبيل العادة دون أي اعتبار لعلاقتنا بربنا.

عندما زار توما الاكويني روما لأول مرة وأبدى دهشته بسبب كل الثروة التي رآها قال له البابا أعتقد أنه لم تعد لنا إمكانية القول: «ليس لي فضة ولا ذهب» فأجابه الراهب: هذا حق، وحق أيضاً أنه لم يعد بمقدورنا القول لكن الذي لي فإياه أعطيك.

إن يسوع يريد أن نعرف فكره عن العطاء والعطايا، لأن تقديم المال عنصر هام من عناصر عبادتنا المسيحية، فماذا يعلمنا الكتاب المقدس، وكيف نسترشد بكلمة الله في استخدامه في كل أمر من أمورنا الحياتية:

1 - إن تقديم المال مقياس حقيقي للأخلاق المسيحية، فالمال في نظر الناس مقياس لقيمة المرء، المال رمز الكفاح والذكاء والجد والتعب فلا عجب إن كان العالم، كل العالم يحب المال ويطلبه قبل كل شيء وكثيراً ما عبده، وأصبح هو المقياس لقيمة الأشياء المادية وقيمة الإنسان نفسه.

والإنسان لا تُقدر قيمته بمقدار قيمة أمواله في هذا العالم فقط، بل حتى في ملكوت السماوات ولكن بكيفية انفاق هذا الإنسان لهذه الأموال، ومتاجرته بالوزنات المعطاة له.

فالعالم يسأل كم يمتلك فلان، أما المسيح فيسأل كيف ينفق ما يمتلكه فلان، العالم يفكر في تحصيل المال والمسيح يفكر كيف يمكن أن يستخدم هذا المال.

العالم يسأل حين يقدم إنسان جزءاً من أمواله، «كم أعطى؟» أما المسيح فيسأل: «كيف أعطى وكم أبقى؟».

العالم يتطلع إلى المال وكميته والمسيح يتطلع إلى الإنسان وبواعثه ودوافعه.

تأملوا قصة الإمرأة الأرملة الفقيرة، فلقد كان هناك أناس كثيرون ويلقون كثيراً لكنهم من فضلتهم ألقوا لم تكن هناك تضحية حقيقية في العطاء، والذي ألقوه في الخزنة، لم يكلفهم شيئاً، ولم يلقوه بسبب أي باعث من محبة الله، أو الولاء له، ولكنهم كانوا مدفوعين بتأدية واجب وعادة اتبعوها واعتادوا عليها.

أما الأرملة الفقيرة «فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا» (مرقس 12: 44)، أعطت الله كل شيء بدون تحفظ.

ما أعظم الفرق بين مقاييسنا ومقاييس المسيح، نحن نسأل ما هو مقدار ما دفعه ذلك الإنسان لنفسه. والمسيح يسأل ما هو المقدار الذي بقي يحتفظ به ذلك الإنسان؟ الأرملة لم تحتفظ لنفسها بشيء بل أعطت كل شيء.

الله يطلب أن تكون كل عطية مقترنة بالمحبة الملتهبة، تقدمة حقيقية عن سرور وسخاء واضعين كل شيء عند قدميه وتحت تصرفه، فما أعطاك إياه هو له، البيت له، الأولاد له، الصحة له كل ما تملكه هو له.

2 - المال وتقديمه قوة عجيبة يعمل بها الله، قال المسيح: «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 35).

لقد خلد المسيح تقدمة الأرملة الفقيرة التي أصبح لمعانها في كل الأجيال أكثر من لمعان الذهب أنها تقول لنا أن تقدماتنا إن كانت تُقدم بأمانة وإخلاص فهي تنال مصادقة الرب، وختمه وبركاته الإلهية.

أعزائي عندما نعطي يوماً فيوماً بقدر ما يهبنا الله من بركات فإن هذا يساعد على تقريب السماء إلينا أكثر فأكثر، إن المسيح الذي جلس أمام الخزنة ليراقب عملية تقديم العطايا هو مسيحي أنا وهو يراقب عطاياي ويقبل ما يقدم بروح التكريس الكامل.

علمني يا رب كيف أعطي ولمن أعطي وكم أعطي ولك كل المجد إلى الأبد.