العودة الى الصفحة السابقة
الطريق إلى الملكوت

الطريق إلى الملكوت

جون نور


تقول الآية في يوحنا 3:3: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ».

تحوي هذه الآية موضوعاً من أهم موضوعات المسيحية – إن لم يكن أهمها – ألا وهو موضوع الدخول إلى ملكوت الله. وقد حدده ربنا يسوع المسيح له المجد بموضوع قام إذ قال: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ».

أتى نيقوديموس إلى المسيح وهو يحمل في فكره المضطرب موضوعات كثيرة تقلقه وتشغل باله، وإذا بالمسيح له المجد يقول له: «ينبغي أن تولد ثانية». لقد عومل بطريقة تختلف اختلافاً كلياً عما كان يتوقع، لكني أعتقد أن تلك الليلة كانت أعظم ليلة في حياة نيقوديموس، فالميلاد الثاني هو أعظم بركة يمكن أن نحصل عليها في هذه الحياة.

الكتاب المقدس يعلّمنا أن الإنسان بالطبيعة مذنب وهالك، واختبارنا الشخصي يؤكد هذا، فنحن نعرف أن أحسن وأطيب إنسان بعيد عن الله ما هو إلا عبد للخطية، والخطاة لا يمكن أن يكون لهم نصيب في ملكوت الله القدوس.

ماذا قال السيد لنيقوديموس ... «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ».

كيف ندخل ملكوت الله؟

يحدثنا الله عن كيفية الدخول إلى ملكوته. ليس علينا أن نشق طريقتنا بأنفسنا، إنما علينا فقط أن نطلب الخلاص، وإن صادفتنا في سبيل ذلك جبال وأنهار فإن الأمر يستحق أن نتسلق تلك الجبال وأن نجتاز تلك الأنهار، فالحصول على الخلاص يستحق كل ذلك المجهود. لكننا لا نحصل على الخلاص بمجهوداتنا، فهو من نصيب من «لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ» (رومية 5:4). نحن نعمل لأننا خلصنا، لكننا لا نعمل لكي نخلص.

في فيلبي 12:2 نجد هذا القول: «تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ» وهذا يعني أنه علينا أولاً أن نحصل على الخلاص ثم نعمل لكي نتممه.

عندما صرخ الرب يسوع المسيح على الصليب قائلاً: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا 19: 30) فإنه كان يعني ما يقول. فكل ما على البشر أن يعملوه الآن هو أن يقبلوا عمله على الصليب. لا يوجد رجاء لأي إنسان يحاول أن يعمل لكي يخلص. الكثيرون يسألون كما سأل نيقوديموس قائلين: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذَا؟» (يوحنا 3: 9). لقد كان ذلك الكلام غريباً على أذنيه، وبالنسبة للكثيرين في أيامنا هذه فإن الحديث عن الميلاد الثاني غريب على آذانهم، وهم يطالبون قائلين: «عليك أن تثبت لنا هذا الأمر، وإلا فلا تطلب منا أن نصدقه». وأما أنا فأقول بكل صراحة إنني لا أستطيع أن أثبت حقيقة الميلاد الثاني، «اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ» (يوحنا 8:3).

أنا لا أفهم كل ما يتعلق بالريح، فعندما تسألني أن أشرح لك طبيعتها فأنا لا أستطيع. قد تهب هنا من الشمال وفي مكان آخر من الجنوب، وعندما ارتفع عن الأرض بمئات الأقدام فقد أجدها هناك تهب في اتجاه عكسي لما هي عليه هنا على الأرض، وأنت تسألني أن أشرح كل كيفية حدوث هذه التيارات الهوائية، لكن هل بسبب عدم تمكني من الإجابة على سؤالك، وبسبب عدم فهمك لطبيعة الريح تقول: «لا يوجد ذلك الشيء الذي يسمونه الريح؟!».

قد تقول لي إنه لا يوجد ذلك الشيء الذي يسمونه الريح، وقد تؤكد لي أنه لا يوجد ذلك الاختبار الذي يسمونه الميلاد الثاني، لكنني شخصياً اختبرت الولادة الثانية وأحسست بروح الله يعمل في قلبي تماماً وبالتأكيد كما أحسست بنسمات الريح وهي تداعب وجهي. أنا لا أستطيع أن أفسر هذا الأمر، لكن كم من أشياء كثيرة لا أستطيع أن أفهمها ومع ذلك فأنا أصدقها. أنا أرى العالم لكنني لا أستطيع أن أعرف كيف أوجده الله من العدم، لكن هذا لا يدفعني أن أنكر وجود تلك القوة الخالقة التي يعترف بها الجميع.

خرج بعض الشبان في رحلة إلى الريف، وفي بداية الرحلة اتفقوا على ألا يصدقوا أي شيء لا يستطيعون فهمه. سمعهم رجل متقدم في الأيام فقال لهم: «سمعتكم تقولون إنكم لن تصدقوا شيئاً لا تستطيعون أن تفهموه»، فأجابوا: «نعم، الأمر كذلك»، قال لهم: «حسناً، في قدومي إلى هنا هذا الصباح رأيت بعض البط والخراف والأبقار وكلها تأكل العشب، فهل يستطيع أحدكم أن يخبرني كيف يتحول نفس العشب إلى ريش وصوف وشعر؟ أليست هذه حقيقة؟»، فأجابوا قائلين: «نعم إنها كذلك، ولكننا لا نعرف كيف يتم هذا الأمر». وأنا أيضاً، عندما أرى الناس يتغيرون وتصلح حياتهم المعوجة، أجدني ملزماً أن أصدق موضوع التجديد رغم أنني لا أفهمه. أستطيع أن أرى الغرقى في طين الحمأة يُنتشلون وتثبت أرجلهم على صخر الدهور وتوضع في أفواههم ترنيمة جديدة، تلك الألسنة التي كانت تشتم وتجدف الآن تهلل وتسبّح «الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا». إنهم لم يصلحوا فقط بل تجددوا وأصبحوا «خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ فِي الْمَسِيحِ يسوع» (2كورنثوس 5: 17).