العودة الى الصفحة السابقة
التوبة

التوبة

جون نور


«اللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا» (أعمال 30:17).

يُعتبر موضوع التوبة من أهم موضوعات الكتاب المقدس، ومع ذلك فهو من الحقائق التي قلما يفهم الناس حقيقتها في هذه الأيام، فلو سألت الكثيرين تحديداً لمعنى التوبة فإن الغالبية العظمى منهم سوف يعطونك إجابات مضللة.

الإنسان لا يصل إلى حالة الاستعداد لقبول كلمة الله والدخول في حياة الإيمان إلا إذا كان على استعداد للتوبة عن خطاياه وتركها نهائياً. قبل أن يقابل يوحنا المعمدان المسيح كان يقول للناس عبارة واحدة هي: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ» (متّى 2:3)، لكن لو كان يوحنا قد استمر في بشارته بهذه الكيفية بدون أن يوجه الناس إلى المسيح حمل الله الذي يرفع خطية العالم لكانت كل مجهوداته قد ذهبت أدراج الرياح.

عندما أتى المسيح إلى العالم ابتدأ ينادي بنفس النداء الذي رددت البرية أصداء صوت يوحنا وهو ينادي به: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ» (متّى 17:4). وعندما أرسل المسيح تلاميذه أوصاهم أن يوجهوا للناس نفس النداء: «أَنْ يَتُوبُوا» (مرقس 12:6). وبعدما صعد المسيح إلى المجد وأرسل الروح القدس فحل على التلاميذ، نجد بطرس في يوم الخمسين ينادي للناس قائلاً: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا» (أعمال الرسل 2: 38).

وقبل أن أوضح ما هي التوبة؟ سأذكر باختصار الأمور التي قد يظن الناس أنها توبة مع كونها ليست كذلك:

التوبة ليست هي الخوف. يظن الكثيرون أنهم لكي يتوبوا ينبغي أن يخافوا ويرتعبوا، ولذلك فهم ينتظرون هذا الخوف لكي يتوبوا. لكن الآلاف وقعوا تحت تأثير الخوف والرعب من الله ومع ذلك لم يتوبوا توبة حقيقية. ربما سمعت عن أولئك الذين صادفتهم عاصفة هوجاء وهم على ظهر سفينة في عرض البحر، لقد ارتعبوا وخافوا، وفي وقت ضيقتهم رفعوا قلوبهم لله يطلبون الرحمة، لكن عندما انتهت العاصفة بسلام رجعوا إلى حالتهم الأولى من الخطية والشر. هل نسمي مثل هذا الخوف توبة؟

كثيرون يودون أن يتوبوا ويعيشوا مع الله، لكنهم يظنون أنه لا بد أن يتملكهم شعور ما يدفعهم إلى التوبة. إن الشعور هو مجرد إحساس وقتي يزول بزوال المؤثر، ولا يمكن أن يحدث تغييراً إيجابياً ثابتاً دائماً في حياة الإنسان.

والتوبة ليست هي التبكيت على الخطية. يهوذا الإسخريوطي كان تحت تأثير تبكيت شديد على خطيته لدرجة أنه مضى وشنق نفسه، لكنه مع هذا لم يتب. وأنا أعتقد أنه لو ذهب يهوذا إلى السيد وسقط على وجهه عند قدميه واعترف بخطيته فإنه كان ينال الغفران. قد يعذب الإنسان نفسه بكل أنواع العذاب، حتى إلى الموت، لكن لنعلم جيداً أننا لا يمكن أن نقدم ثمرة مجهود أجسادنا لوفاء دين خطايا أرواحنا.

والتوبة ليست هي الصلاة: كثيرون عندما يتحققون من ضرورة الحصول على الخلاص يبدأون بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس، ويظنون أن هذا سيمتعهم بالخلاص. لكن ليس الأمر كذلك، فقد تقرأ الكتاب وتصلي إلى الله ليلاً ونهاراً ومع ذلك لا تتوب.

والتوبة ليست هي ترك خطية معينة: كثيرون يقعون في هذا الخطأ، فالسكير يظن أن التوبة بالنسبة له هي أن يقلع عن شرب الخمر. والزاني يظن أن التوبة بالنسبة له هي الابتعاد عن خطية الزنا. لكن ليس الأمر كذلك، فترك خطية معينة يشبه قطع غصن شجرة غير مثمرة وترك بقية الشجرة كما هي، أما التوبة فهي أن تقتلع شجرة الخطية من جذورها من حياتك. إن الله يطلب من الإنسان أن يترك، ليس خطية واحدة، ولكن كل الخطايا.

اذا ما هي التوبة؟

التوبة هي تغيير الاتجاه تغييراً كاملاً، فالخاطئ عندما يتوب يدير ظهره للطريق الأول الذي كان يسير فيه ويسير في طريق آخر مضاد تماماً للطريق الأول. قد يكون للإنسان شعور طيب من نحو الله ونية حسنة تدفعه إلى الاقتراب إليه، لكن ما لم يترك الخطية تركاً نهائياً فإن الله لن يرحمه ولن يقبله.

قال أحدهم إن الإنسان يولد ووجهه مبتعد عن الله ومتجه إلى الأرض، وعندما يتوب توبة حقيقية فإنه يترك اتجاهه الأول ويتجه إلى الله. ويستطيع الإنسان أن يتوب توبة حقيقية في لحظة، فتغيير الاتجاه لا يستغرق سوى لحظات، وتغيير الفكر لا يحتاج إلى مدة طويلة لإتمامه. فحالما يصمم الإنسان، يمنحه الله القوة للخلاص. الله لا يطلب من الإنسان أن يعمل شيئاً ليس في استطاعته أن يعمله. إنه لم يكن ليأمر جميع الناس أن يتوبوا (أعمال الرسل 30:17) ما لم يكن في إمكانهم أن ينفذوا هذا الأمر. والإنسان الذي لا يزال يعيش في الخطية حتى الآن لا يلومنَّ إلا نفسه. فهل نتوب الآن؟