العودة الى الصفحة السابقة
دموع الرب يسوع

دموع الرب يسوع

جون نور


«وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ» (لوقا 41:19 – 44).

لاحظوا معي آية موضوعنا «وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا». لقد كان هذا غريباً، فها يسوع يدخل دخولاً انتصارياً، فقبل صلبه بأسبوع، دخل راكباً على ظهر جحش مستعار إلى أورشليم، وفي البداية لأسبوع الآلام الأخير صاحت الجموع: «أهلاً بك، أهلاً بك» وفي النهاية لهذا الأسبوع صاحوا «أصلبه أصلبه».

لا شك أن يسوع بكى عدة مرات لم يعرفها أحد، والإنجيل يسجل لنا ثلاثاً منها، سوف نمر عليها سريعاً وباختصار. لكن لا شك أن يسوع المسيح ابن الله سكب دموعاً وبكى كثيراً، ولم يعرف أحد بذلك. وأنت وأنا لنا هذا الاختبار أيضاً فلقد بكينا كثيراً دون أن يعلم بذلك إنسان.

بكى يسوع عند قبر لعازر: «يخبرنا الإنجيل أن يسوع بكى عند القبر كما نقرأ في انجيل يوحنا أقصر آية في ترجمة الإنجيل «بَكَى يَسُوعُ» (يوحنا 35:11).

لقد تساءلت كثيراً لماذا بكى يسوع؟ إنه لم يبك عند القبر للسبب الذي أبكي أنا وأنت من أجله. كان واقفاً عند القبر وعرف أنه في لحظة سيقول: «هلم خارجاً من القبر»، وسيقوم لعازر ويسير في حياة مقامة. ولم يبك لنفس سبب بكاء مريم ومرثا، لكن عندما رآهما تبكيان، ورأى اليهود يبكون، ورأى الحزن وسمع الأنات، يقول الإنجيل «ببَكَى يَسُوعُ»، ها هي الحالة حيث بكى يسوع متعطفاً.

المكان الآخر الذي بكى يسوع فيه حسب كلام الإنجيل هو بستان جثسيماني. عندما نقرأ ما دونه الإنجيل عن آلام وكرب يسوع في البستان فإنك لا تقرأ أنه سكب دموعاً بطريقة صريحة بل نقرأ عن قطرات الدم تخرج من مسام جبينه: «وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ (كبيرة) نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ» (لوقا 44:22).

المكان الثالث بكى على مدينة اورشليم، «وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا» (لوقا 19: 41) لماذا بكى يسوع على أورشليم؟ وماذا رأى يسوع في مدينة أورشليم؟ هو لم يبك على مبانيها، ولا على حكومتها، ولا على المدينة ذاتها من جهة الطبيعة، لكن عندما نظر إليها ورأى شيئاً كسر قلبه وجعله يبكي.

1 – بكى يسوع على ديانتهم المزيفة

لقد رأى يسوع دينهم المزيف. لا شك أن دين أورشليم المزيف كان شوكة دائمة في جنب ابن الله، كان يشير إليها على الدوام وكان مثقلاً بها. لاحظ الدين المزيف في مدينة أورشليم.

أولاً: كانوا يخدمون خدمة شفاه دون اختبار قلبي، ولا بد أن هذا كسر قلبه. قال يسوع: «هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا» (مرقس 6:7). فالذي جعل يسوع يبكي أن الناس يكرمونه بشفاههم أما قلوبهم فهي بعيدة عنه بعد القطب الشمالي عن القطب الجنوبي.

نقرأ عن أن هؤلاء الناس كانوا مصدر شكوى ليسوع لأنهم عندهم عبادة دون أساس كتابي وأورشليم هي مهد الديانات العظمى في العالم.

2 – بكى على النفوس الضالة

هو بكى ليس فقط على دينهم المزيف، أو مسيحيتهم الباردة ولا فقدانهم للحياة المضحية، ولكن بالتأكيد بكى على النفوس الضالة.

«وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا» (مرقس 9: 36). عندما نظر للجموع، كان يهمه نفوسهم، يهمه عدم وجود راع لهم، يهمه الناس المفقودة الضالة، وذهابهم للجحيم. ماذا يرى يسوع عندما ينظر إلى فرد ما؟ نقرأ في لوقا 12: 17 - 19 عن إنسان فكر في نفسه قائلاً: «مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي، وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!».

3 – بكى بسبب الدينونة الحتمية

لماذا بكى يسوع؟ تخبرنا الأسفار الإلهية بوضوح هنا «نَظَرَ (يسوع) إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا، قَائِلاً:«إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا... مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ!». هو يذكر هنا لو علمت «يُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ» (لوقا 41:19 - 43)). بعد مرور 35 سنة من الوقت الذي بكى فيه على أورشليم، جاء واحد من أعظم المتشبعين بالروح العسكرية القاسية الذي لم يعرفه العالم قط، هذا هو تيطس القائد العسكري العظيم مع جيشه الروماني، سيأتي ويدمر هذه المدينة، وكانت إحدى الكوارث العظمى على مر التاريخ، وحدث قصف دموي مريع في أورشليم عام 70 م. وقيل إن اليهود قتلوا وعلقوا على صلبان، حتى لم تتبق شجرة يصنعون منها مزيداً من الصلبان. وهدمت المنازل وهدم الهيكل وأصبح بمستوى الأرض، كما قال يسوع تماماً. «لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ» (مرقس 13: 2). وحرثت المدينة على آخرها بعجول تشد المحاريث ووضع ملح في كل مكان حتى لا ينمو عود حشيش أو شجرة تين واحدة. بكى على مدينة ضالة. عزيزي المستمع إن لم تكن مختبئاً في الصخر وآمناً في دم الحمل ومغطى بدمه الثمين وإن لم تكن مخلصاً حقاً. التمس منك في اسم الله، أن تأتي إلى المخلص الباكي.

«نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا» (لوقا 41:19).