العودة الى الصفحة السابقة
القوة الرباعية الأبعاد

القوة الرباعية الأبعاد

جون نور


«أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ. يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء 28:40 – 31).

عندما نقرأ الإنجيل، نرى أن أولئك الناس الذين حصلوا على أفضل شيء إلهي، مثل حكمة الله وقوة الله وقيادة الله في حياتهم، هم أناس كانوا يريدون انتظار الرب، وكثير من الآيات تعلمنا أن اعظم المؤمنين في الكتاب كانوا رجالاً ونساء، لديهم إرادة أن ينتظروا الرب، وعلى سبيل المثال يقول صاحب المزامير: «انْتَظِرِ الرَّبَّ (تقوى) لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ» (مزمور 14:27).

كثيرون جداً من المؤمنين لا يعرفون معنى هذا التعبير الكتابي «انتظر الرب» - هؤلاء هم المسيحيون الذين قهرتهم المشاكل وأوقفتهم وصدتهم الظروف الصعبة، مسيحيون لا يعرفون القيادة الإلهية لهم. لم يتعلموا قط انتظار الرب. نحتاج أكثر مما سبق. أن نعرف شيئاً عن المكان السري لانتظار الرب. واليوم، المسيحيون الذين يتعلمون انتظار الرب من المؤكد أنهم أفضل من غيرهم.

ومن بعض الشخصيات التي انتظرت الله إيليا النبي.

يقول عنه العهد الجديد أنه كان إنساناً تحت الآلام مثلنا، خاضعاً لما نلاقيه من تجارب وأعباء وإغراءات كما نقرأ هكذا: «كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ» (يعقوب 17:5). إني مندهش من إيليا. فأعظم انتصار وصل إليه إنسان، يحتمل أنه انتصار إيليا على جبل الكرمل عندما قاوم وصمد أمام أنبياء البعل. عندما طلب نزول النار من السماء بصلاة لطيفة مكونة من 62 كلمة فقط، ردت ودافعت عن قضية الرب وازدرت بأعداء الرب وأعداء كلمته، يا له من انتصار عظيم.

ولكن بعد هذا النصر، عمل إيليا شيئاً غريباً جداً، أظن أنه كان عنده بكل تأكيد إحباط أو انهيار عصبي بعدما تعب من الحياة، وقال خير لي أن أموت. كان يواجه اضطهاداً مركباً. قال: «بَقِيتُ أَنَا وَحْدِي» (رومية 11: 3) وكانت لديه مخاوف دون مبرر، وأراد أن يكون وحده. كان خائفاً من امرأة آخاب الملك التي أرسلت له رسالة تهدده فيها. رغم أنه لم يخف من قبل. وهناك جلس تحت الرتمة (السرو الجبلي) مكتئباً وخائفاً لكن ما أرق الله في تعامله مع النبي المجهد، والذي كان يشاركنا في مشاعرنا.

لاحظوا تعبيرين قصيرين قالهما الله لإيليا. قال الله لإيليا: «أختبئ» ما أجمل هذا الاختبار في حياته.

إيليا يذهب وحيداً لنهر كريث الصغير. يقول له الله: «وَقَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ (تطعمك) هُنَاكَ» (1ملوك 17: 4). وكانت الغربان تأتي إليه بخبز صباحاً ومساء، وماء من النهر الصغير حتى جف بعد فترة قصيرة. ثم قال الله لإيليا: «اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ وَأَقِمْ هُنَاكَ» (1ملوك 17: 9).

أراد الله أن يعلم إيليا هنا عند النهر الصغير أنه على الدوام يسدد كل حاجاته.

النهر الصغير سيسقيك، وعندما لا يطعمك أحد، فالله سيعولك في هذه الأرض الجرداء. الله القدير سيسدد احتياجات أي فرد من شعبه، وهو يقول: «فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي 19:4).

أراد الله أن يعلمه شيئاً آخر – سيعرفه زمن انتقاله وتحركه. في ذات يوم جف هذا النهر، أين ذهب الماء! جف النهر، فلما جف قال الله لإيليا: «أريدك أن تنتقل». إلى مكان آخر، قال له: «إيليا، هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ» (1ملوك 9:17). كفى أن الله استخدم هذه المرأة الخائفة المتواضعة مثبطة الهمة والتي قالت: «سأعد هذا الطعام القليل الباقي، ثم نموت أنا وابني» (12)، واستخدمها الله ليسدد حاجات نبيه. الله يجعل عجائب تتحرك بطرق سرية حتى تتم ارادته في حياتك.

أراد الله أن يعلم إيليا شيئاً آخر أنه استخدم معجزاته في خطته. ولم يرد أن هذه المرأة الأرملة فقط بل إيليا أيضاً أن يريا ذلك الكوز الصغير الذي يحتوي على قليل من الزيت، يسيل زيته يوماً بعد يوم، دون أن تنفذ مؤونة الله. ولذا قال الله لإيليا «اختبئ».

أقول لكم أيها المسيحيون، إن كان لا بد من حياة النصرة والقوة، والإثمار، فلا بد من وجود مكان اختباء، اذهب اختبئ.

ثم بعد الاختباء يقول الله له هذا الشيء الغريب «اذْهَبْ وَتَرَاءَ» (1ملول 1:18). والآن مشكلتنا هي أننا نريد أن نتراءى قبل أن نختبئ، لذا ينبغي الاختباء، «مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً» (إشعياء 40: 31).

عرف يسوع هذا الاختبار أيضاً. تأمل فيه بعدما صرف الجموع «صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ» (متّى 23:14).

أحلى اختبار هو الانفراد مع الله. هل تعرف معنى الانفراد مع كلمته؟ الانفراد على ركبتيك لكي تدعه يلمس قلبك؟ كان هناك منفرداً مع الله. كان ليسوع «مكان منعزل» في حياته. «فِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ» (مرقس 35:1).

أقولها ثانية: إن قوة الله، والحكمة من فوق، والشجاعة لمواجهة وقائع الحياة والأبدية، تأتي من الاختباء، وانتظار الرب.

«مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً».