العودة الى الصفحة السابقة
النهضة والمرأة

النهضة والمرأة

جون نور


يبدو أن موضوع الساعة لا يكتمل إلا إذا تحدثنا عن عمل السيدات في نهضة الكنيسة. فإن كنا قد تحدثنا بشيء من روح الأسف على حالة الكنيسة في وقتنا الحاضر، إلا أن هناك ظاهرة مشجعة تملأنا بالرجاء، وهي النشاط النسائي المتزايد لمجد الله.

إن موضوع المرأة وعملها في خدمة الكنيسة موضوع فيه تعليم من كل وجه، فالمرأة هي العضو الأول العامل في العائلة الإنسانية، وتأثيرها وقوتها يبدوان بوضوح في الحياة الدينية والحياة الاجتماعية معاً.

ولا نقدر أن نلمس محبة المرأة ولا جمال صفاتها في شيء آخر بقدر ما نلمسه في كلمة الله المقدسة. نعم، إن الكتاب لم يخصص للمرأة إلا مكاناً صغيراً، والمفسرون لم يقولوا عنها إلا القليل. ولكن بالرغم من ذلك فما قيل عنها يدعونا للتأمل الطويل، لأنه ممتلئ بجواهر العظمة الحقيقية. فالنساء في كلمة الله كاللآلئ التي يندر وجودها، ولكنها تضمن ثروة طائلة لمن يجدها، لأن لها لمعاناً يخطف البصر ببهائه وجماله.

إن نساء الكلمة المقدسة كن يتمتعن بالعظمة الحقيقة. صحيح إنهن لم يرعين كنائس، ولم يصغن قوانين، ولم يدرن آلات. إن هذه الأمور لا تعظم السيدات على ما أعتقد، ولكن عظمتهن هي في مقدرتهن على أن يضربن على أوتار قلب هذا العالم بنغمات السماء.

هذه هي المرأة، وهذه هي عظمتها. وسنتحدث عنها الآن متخذين العذراء القديسة مريم كنموذج مبارك لكل سيدة. فمنذ أن قدمها الله للعالم إلى وقتنا هذا، كانت ولا زالت وستظل موضوع حب الناس وتقديرهم. فدعونا الآن نحاول أن ندرك سر عظمتها:

أولاً – هي أم المخلص:

أم أعظم شخصية ظهرت في الوجود. هذا يكفي لأن يجعل منها سيدة عظيمة حقاً. لا شك إنها كانت فخورة بابنها فلازمته كل أيام حياته.

إنها بركة عظيمة للمرأة أن يكون لها ابن عظيم. أتذكر حادثة عن شاب تخرج من كليته وكان ترتيبه الأول، فناله بذلك شرف كبير. كان لهذا الشاب والدان فقيران، وقد كلفهما تعليمه الكثير من الصراع والتضحيات حتى تخرج. وقف الشاب يلقي كلمة في حفل التخرج الذي أقامته الكلية، وكانت أمه جالسة أمامه في الصفوف الأولى بين الحاضرين. ولما انتهى من حديثه خطا إلى الأمام، ونزل من على المنصة، وطوق عنق أمه بذراعيه، ووضع الميدالية التي منحت له على صدر فستانها!

انتهى الحفل، وخرج الحاضرون، فقال أحدهم للأم: أنا أعلم أنك فخورة بابنك، فأجابته قائلة: بكل تأكيد. ولكل فخري به لا يعادل نصف فخره هو بأمه.

ما أعظم القوة التي تكمن في حياة الأم، والتي يبدو تأثيرها من وراء الستار. إنها كالشمس التي تختفي وراء التلال، لكن أشعتها تمتزج بالسحب وتلون قوس المطر بألوان رقيقة جميلة بكيفية رائعة، ثم تخترق السماء وتمتد لتكون السحب في السماءً. إن غاية ما تتمناه كل أم أن يكون لها ابن عظيم تقدمه للعالم.

أيتها النساء، ارفعن رؤوسكن. قد يكون عملكن شاقاً، وقد تقابلكن المفشلات، ولكن عظمتكن تكمن في أبنائكن الأتقياء. وثانياً سر عظمتها أيضاً في:

ثانياً – الهبات الروحية:

مما يزيد في عظمة وجاذبية القديسة مريم ما كانت تتمتع به من هبات روحية، كانت سيدة الإيمان الأولى. هذا يبدو من محادثتها مع الملاك جبرائيل عندما جاء وبشرها بأنها ستكون أم ابن الله. كانت الأخبار بالنسبة لها غريبة ليس في استطاعة كل فتاة أن تصدقها. لكن العذراء قبلت البشارة ثم جلست تتأمل فيها.

والإيمان لا يتعارض مع التأمل الروحي، والتأمل بدوره لا يناقض الإيمان – إلا إذا استرسلنا فيه وأصابنا الشطط. كان إيمان العذراء سريعاً، فبمجرد أن أقنعها ملاك الله أنه لا يوجد شيء مستحيل على إلهنا أمسكت بالوعد بواسطة الإيمان القوي. وثالثاً سر عظمتها في:

ثالثاً – التسليم لمشيئة الرب:

كانت العذراء خاضعة لإرادة الله. أصغ إلى لغة التسليم في حياتها وهي تقول: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لوقا 1: 38). إنه تسليم الانتصار. هذه أصعب الخطوات التي تقابلنا في حياة الإيمان. لكن على أي حال لا ينبغي أن نحجم عنها.كم يشتاق قلب الله أن يرى أبناء لهم حياة التسليم والطاعة!

هكذا الحال من جهتنا. إن أبانا السماوي عندما يتطلع ويرى روح التسليم في حياتنا تزيد معزتنا عنده. هذا ما تحتاجه كل أم، أن تضع نفسها بين يدي الآب السماوي. ذلك هو سر السعادة الحقيقية.

مرات كثيرة لا نقدر أن ننظر إلى وجه الله . ليساعدنا الله حتى نحيا بالقرب منه بطهارة وقداسة حتى لا نخجل منه.

أيتها الأمهات، لا تفشلن ولا تنظرن إلى ما يقابلكن من الصعاب والعقبات، ولكن انظرن إلى الفرص المتاحة لكن. أنتن تملكن القوة التي تؤثر في العالم والكنيسة. فتشجعن وتدربن حتى تتممن رسالتكن كما ينبغي. ورابعاً سر عظمتها في انها كانت:

رابعاً – أمينة في عقيدتها:

فعندما بلغ ابنها الثانية عشر من عمره أخذته إلى الهيكل حسب التقليد. والسيدة التي تتمم واجبات الروح في حياتها يكون لها التأثير والقوة في كنيستها. ومن جهة أخرى لن يكون لأية كنيسة في أية طائفة التأثير والقوة إلا إذا كانت نساؤها أمينات في الأمور الروحية، أمينات في عملهن لمجد الله. فلو تنبهت كنائسنا لهذه الحقيقة لأشرق عليها فجر جديد في إتمام رسالة المسيح.