العودة الى الصفحة السابقة
العثرة في تعاليم المسيح

العثرة في تعاليم المسيح

جون نور


«فَلاَ نُحَاكِمْ أَيْضًا بَعْضُنَا بَعْضًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ احْكُمُوا بِهذَا: أَنْ لاَ يُوضَعَ لِلأَخِ مَصْدَمَةٌ أَوْ مَعْثَرَةٌ» (رومية 13:14).

بعد رحلة طويلة، وهم يخدمون رجع يسوع وتلاميذه إلى كفرناحوم لكي ينالوا قسطاً من الراحة، ولكن بينما هم هناك تقدم إلى سمعان بطرس واحد من المسؤولين عن جمع الجباية أو الجزية التي كانت تدفع عن الهيكل للحكم الروماني وسأل بطرس قائلاً: «أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟» (متّى 24:17)، فأجاب بطرس: «بلى» ثم ذهب ليناقش الأمر مع يسوع. فسأله يسوع: «مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟ قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَإِذاً الْبَنُونَ أَحْرَارٌ» (متّى 25:17 – 26).يأتي ذلك الرجل الذي يطلب من يسوع أن يدفع الجزية عن الهيكل، ولكن السؤال هو: من هو صاحب هذا الهيكل؟ من هو الملك على الهيكل؟ لمن بني هذا الهيكل؟

الإجابة هي: الله الآب. ولأن سمعان بطرس كان قد أخذ إعلاناً من الرب أن يسوع هو المسيح ابن الله الحي، لهذا سأله يسوع: «ما دمت أنا ابن من يملك هذا الهيكل، إذاً ألا يجب أن أكون حراً عن دفع الجزية عن الهيكل؟». «وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ» (متّى 27:17).

فيسوع هو سيد الأرض كلها، هو ابن الله الحي خالق السماوات والأرض وكل ما فيها، به وله خلقت كل الأشياء، لذلك علم أن المال سوف يكون في فم تلك السمكة فهو كابن لا يحتاج لأن يعمل لكي يحصل على المال، ومع ذلك اختار أن يدفع الجزية لئلا يُعثر أحداً. هل هذا هو نفس الشخص الذي رأيناه يواجه الكثيرين بالحق مما يؤدي لمضايقتهم وعثرتهم ولكن دون أن يتراجع؟ هل هو نفسه الذي يختار في هذا الموقف أن يدفع الجزية بالرغم من أن من حقه تماماً أن يمتنع عن دفعها، وذلك لكي لا يعثر أحداً؟!

هل هناك تناقض في هذا الأمر؟

الإجابة ستجدها في هذه الآيات: «فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ:«فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟ فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ وَقَالَ: اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ» (متّى 1:18 – 4).

المفتاح هو في هذه الجملة: «من وضع نفسه» ، ولقد فسر يسوع هذه الكلمات أكثر بعد ذلك حين قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متّى 26:20 – 28).

يا لها من كلمات مذهلة! فيسوع لم يأتِ ليخُدَم بل ليخَدِم! بالرغم من أنه ابن الله الحي، وبالرغم من أنه حر وليس مديون لأحد بأي شيء، إلا أنه اختار أن يستخدم حريته لكي يخَدِم بها آخرين!

لقد واجه بولس الرسول مثل هذه الاتجاهات الخاطئة في رسائله إلى كنائس رومية وكورنثوس، فالحرية في نظر المؤمنين في تلك الكنيستين كانت فيما يتناولونه من أطعمة، لذلك أوضح لهم بولس أن عليهم أن يتصرفوا هكذا:

«وَمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي الإِيمَانِ فَاقْبَلُوهُ، لاَ لِمُحَاكَمَةِ الأَفْكَارِ. وَاحِدٌ يُؤْمِنُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَيَأْكُلُ بُقُولاً» (رومية 1:14 – 2).

فلقد أوضح يسوع قبل ذلك أن ليس ما يدخل الفم ينجسه ولكن الذي يخرج منه، وبهذا الإعلان جعل يسوع جميع أنواع الأطعمة طاهرة ومباحة للمؤمن (متّى 18:7 – 19).

لهذا قال لهم بولس الرسول: «فَلاَ نُحَاكِمْ أَيْضًا بَعْضُنَا بَعْضًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ احْكُمُوا بِهذَا: أَنْ لاَ يُوضَعَ لِلأَخِ مَصْدَمَةٌ أَوْ مَعْثَرَةٌ... لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ» (رومية 13:14، 17).

لقد كان يريد أن يذكرهم بأن ملكوت الله الحقيقي ليس في ما نأكل أو نشرب، ولكن في الحياة بالبر والسلام والفرح في الروح القدس.

يسوع أثبت لبطرس وللتلاميذ أن من حقه أن يكون حراً من دفع الجزية عن الهيكل ومع ذلك تنازل عن ذلك الحق ودفع الجزية لئلا يعثر أحداً وذلك لكي يعلمهم ضرورة أن يضع كل واحد حياته من أجل الآخر، فليست مشيئة الآب أن تكون حريتنا هي السبيل للمطالبة بحقوقنا وامتيازاتنا على حساب عثرة الآخرين ومضايقتهم.

بعد أن أثبت يسوع لتلاميذه حقه كابن في أن يكون حراً من دفع الجزية عن الهيكل، كان حريصاً بعد ذلك أن يعلمهم عن أهمية التواضع وإنكار الذات، فقال لهم:

«من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلَّق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر. ويل للعالم من العثرات. فلا بد أن تأتي العثرات ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة. إن الرب قد أعطانا الحرية من أجل أن نخدم بها ونضع حياتنا من أجل الآخرين، فنحن مدعون لأن نبني لا لان ندمر بعضنا بعضاً.

««كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي. لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ» (1كورنثوس 10: 23 و24). أنا أشجعك أن تطلب الآن من الروح القدس أن يمتحن كل دائرة من دوائر حياتك من خلال هذه الآيات واسمح له أن يعلن لك عن أية دوافع أو اتجاهات مختبئة كنت تخدم بها مصلحتك أنت لا مصلحة الآخرين، ولتدع الروح القدس أن يعمل فيك لكي يجعلك تحيا خادماً للكل ولكي تستخدم حريتك في المسيح لكي تحرر آخرين، لا لكي تطالب بحقوقك وامتيازاتك على حساب الآخرين.