العودة الى الصفحة السابقة
المال في نظر الروح القدس

المال في نظر الروح القدس

جون نور


عندما نزل الروح القدس في يوم الخمسين ليحل في قلوب الناس، طالبهم بأن تكرس له كل حياتهم. كان ينبغي ألا يفعلوا شيئاً لا يوحي هو به، ولا يرشد إليه كان يجب أنهم في كل شيء لا يحيوا، ولا يتحركوا، ولا يوجدوا الا بارسشاده، وأن يكونوا بجملتهم روحيين، ونشأ من هذا كنتيجة حتمية - أن كل ممتلكاتهم، وكل أموالهم، وكل تصرفاتهم فيها، يجب أن تكون هي أيضاً تحت تصرفه، وأن تكون إيراداتهم ومصروفاتهم خاضعة لمبادئ جديدة لم يكونوا يعرفونها إلى ذلك الوقت.

في الأصحاحات الأولى من سفر الأعمال نجد أكثر من دليل على مطالبة الروح القدس بأن يكون المرشد والمتحكم في تصرفنا بأموالنا. فإذا ما أردت أن أعرف كيف أعطي فيجب علي أن أتعلم تعليم الروح القدس عن الموضوع الذي يجب أن يحتله المال في حياتي المسيحية، وفي حياة الكنيسة.

(1) الدرس الأول الذي يجب أن نتعلمه هو أن الروح القدس يمتلك المال: «وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ» (أعمال 44:2، 45).

«لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُول أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، وبَرْنَابَا، إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ، وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ» (أع 34:4 - 37).

إنهم، من تلقاء أنفسهم، ودون أن يصدر إليهم أي أمر أو توجيه تنازلوا عن ممتلكاتهم، ووضعوها تحت تصرف الرب وخدامه. هذا فعلوه بفرح الروح القدس، وفرح المحبة التي سكبها في قلوبهم، وفرح الكنوز السماوية التي جعلتهم أغنياء. ولو فعلوا غير هذا لاعتبر تصرفهم شاذاً وغريباً، ولكانت قد حلت بالكنيسة خسارة جسيمة.

المال رمز عظيم لعظمة السعادة في نظر العالم، وصنم من أصنامه الرئيسية، يجذب الناس ليبعدهم عن الله، وهو تجربة مستمرة نحو الاهتمام بالعالم، الأمر الذي يتعرض له المسيحيون كل يوم.

ولنعلم اعزائي المستمعين ان الخلاص الذي لا ينجي من سلطان المال لا يعتبر خلاصاً كاملاً.

إن رواية يوم الخمسين تؤكد لنا أنه عندما يأتي الروح القدس ويمتلك كل القلب، فإن الممتلكات الأرضية تفقد مكانها في القلب.ولا ينظر إلى المال إلا على أساس أنه واسطة محبتنا لربنا ولإخواننا في البشرية.

والنار التي تنزل من السماء، وتجد الإنسان فوق المذبح، وتلتهم المحرقة، تجدد ماله أيضاً، وتجعل كل المذبح مذبحاً ذهبياً، مقدساً للرب.

إن سر العطية الحقيقية هو فرح الروح القدس. إن الشكوى عامة في الكنيسة بسبب الحاجة إلى المزيد من المال من أجل عمل الله، وبسبب عدم تناسب ما ينفقه شعب الله على أنفسهم مع ما يكرسونه لله. وكثيراً ما مزقت القلب تلك الشكوى الصارخة المنبعثة من خدام الله الذين يكدون ويتعبون من أجل الفقراء والهالكين.

ليتنا نصلي بحرارة لكي تكون حياتنا كلها في فرح الروح القدس، ولكي تكون كل عطايانا ذبيحة روحية بيسوع المسيح.

(2) أما الدرس الثاني الذي نتعلمه عن المال من رواية يوم الخمسين فنجده في أعمال 6:3: «فَقَالَ بُطْرُسُ: لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!». هنا نجد أن الروح القدس يستغني عن المال.

كان درسنا الأول الذي تعلمناه هو: أن الكنيسة في الأيام الأولى احتاجت إلى المال من أجل عملها، وأن الروح القدس كان يدبر المال. وأن المال كان برهاناً أكيداً على عمل الروح القدس بقوة. وواسطة مباركة لفتح الطريق لكي يتمم عمله بقوة. لكن هنالك خطر قريب. فالناس يبدأون بأن يظنوا أن المال هو الحاجة الملحة، وأن مجيء المال بوفرة دليل على عمل الروح القدس، وأن المال لا بد أن يكون قوة وبركة. لكننا سنجد كل شيء في هذه الكنيسة ما عدا المسيح.

أما درسنا الثاني فإنه يبدد هذه المغالطات، ويعلمنا كيف يمكن أن تظهر قوة الروح القدس حيث لا يتوفر المال. إن الروح القدس هو قوة الله العظيمة، وفي بعض الأحيان يتنازل ليستخدم أموال قديسيه، وفي أحيان أخرى يبرهن على أنه يمكنه الاستغناء عنه. وعلى الكنيسة أن تسترشد بهذه الحقيقة المزدوجة: وهي أن الروح القدس يطالب بكل أموالها، وأن أعمال الروح القدس العظيمة يمكن أن تتم بدون المال. ويجب على الكنيسة أن لا تستجدى المال قط، كأنه هو سر قوتها.

ليتنا نصلي لكي يكون لنا الإيمان بالمجد الأسنى، وبعمل الروح القدس الذي هو عطية الله للكنيسة ليشددها ويغنيها، وبهذا يبقى المال دواماً تحت قدمي المسيح، وتحت أقدامنا، وندرك أن قيمته هي فقط في خدمة المسيح.

أيها الرب يسوع المبارك. علمنا واحفظنا لكي نضع كل أموالنا عند قدميك، كما فعل برنابا، ونضعها كلها تحت تصرفك، علمنا واحفظنا لكي - كما فعل بطرس - نفرح بالفقر الذي يعلمنا أن نبرهن على ثقتنا في ادعائنا بأننا بكليتنا نعيش لك، كما كان الحال مع حنانيا. علمنا واحفظنا لئلا نظن - كما ظن سيمون الساحر - بأن مواهب الله يمكن أن تُقتنى بالمال.

أيها الروح القدس المبارك، املأنا بشخصك، تعال واملأ كنيستك بشخصك المحيي، وعندئذ تصير كل أموالنا لك وحدك.