العودة الى الصفحة السابقة
االعرج الروحي

االعرج الروحي

جون نور


من خلال دراستنا للكتاب المقدس نبصر أن الله دائما هو الذي يأخذ المبادرة، وأنه هو الذي يمسك بيده الزمام. نحن كبشر نظن أنه قد يتأخر «لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى» (2بطرس 3: 9) وفي الوقت المناسب كان أمر الرب إلى إيليا «اذهب وتراءى لآخاب فأعطى مطراً على وجه الأرض» وبالرغم من سلطة آخاب وسطوته في البلاد إلا أن إيليا لم يلتفت إلى إيزابل أو إلى آخاب بل كان كل اهتمامه بالشعب كيف يمكن أن يعود إلى الله. لم يخف من سلطة الأرض لأنه كان يدرك تماماً صدق الكلمة المقدسة «فوق العالي عالياً يلاحظ والأعلى فوقهما»... لقد سطا آخاب في الأرض لكن سطوة الله وقوة الله لا يمكن أن تحد أو أن تصد، لم يكن هدف إيليا إثبات صحة نبوته أو قوة مركزه كنبي لكننا عندما نلتفت إلى صلاته ندرك يقيناً أن هدفه عودة هذا الشعب إلى الله» وكان عند اصعاد التقدمة أن إيليا النبي تقدم وقال: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، لِيُعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ، وَبِأَمْرِكَ قَدْ فَعَلْتُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ» (ملوك الأول 36:18).

كل منا يمكن أن يصيبه العرج الروحي في وقت أو آخر، في ناحية أو في أخرى... أصلي أن يساعدنا الله لكي نستمع إلى صوته القديم الذي يأتي إلينا في ظروف قد تختلف لكن يأتي إلينا بصوت الوحي قائلاً: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟» (1ملوك 18: 21).

ولعلنا نستطيع أن نبصر العرج الروحي في نقاط مختلفة متنوعة:

العرج الروحي هو عدم اتخاذ القرار

وقف إيليا وقال:

«حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ!!» إن كل آلهة الأمم أصنام، لها أعين ولا تبصر لها آذان ولا تسمع لها مناخر ولا تشم... أما إلهنا فهو الإله المتفرد ساكن الأبد. إن إلهنا في السماء كل ما شاء صنع هو الذي قال: «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟» (إشعياء 40: 25). «لاَ مِثْلَ لَكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ، وَلاَ مِثْلَ أَعْمَالِكَ لأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ» (مزمور 86: 8 و10). بالرغم أن المقابلة غير منطقية بين الله والبعل إلا أنها بكل أسف واقعية فهذا هو ما يحدث في عالمنا! بالرغم من أن لا مثل له بين الآلهة... إلا أننا في مرات كثيرة سراً وخفية نحدث نوعاً من المقابلة بين الرب والبعل!!

هل يمكن أن نقول لماذا تعرجون بين الخلاص الإلهي والخلاص البشري... لقد صار الشعب وراء البعل ظانين أن البعل يمكن أن يهبهم قوة ونصرة على أعدائهم... وهذا ما يمكن أن يحدث في حياتنا. فنحن في مرات كثيراً ما نسير وراء البعل، وراء المحسوبية، الواسطة البشرية، الرشوة، السلطة، والمركز.

إلى متى تعرجون بين الكنيسة والعالم إلى متى نأتي إلى الكنيسة نعبد الرب، نفرح به، نبتهج بخلاصه وينتهي يوم الأحد وتنتهي علاقتنا مع الله... ولعلكم تذكرون قصة ذلك الغلام الصغير الذي كانت أمه تأتي به إلى الكنيسة وهي تلبس حلة يوم الأحد، كانت رقيقة معه كل الرقة، طويلة البال جداً في الكنيسة. وعندما تذهب إلى البيت وتخلع ثوب الأحد تعود إلى طبيعتها القديمة، مما دعا الطفل أن يصيح قائلاً يا أمي لا تخلعي ثوب يوم الأحد أبقيه من فضلك!! وما أحوجنا لان تكون علاقتنا بالرب علاقة ثوب الأحد الذي نلبسه لبضعة ساعات ونخلعه بقية الأيام، لكننا نحتاج أن نستمع إلى صوت إيليا مجدداً «لماذا تعرجون بين الفرقتين».

العرج الروحي هو عدم الاتزان

في مرات كثيرة نمسك بالعقيدة وننسى التطبيق، تماماً كالفريسيين القدامى الذين يعشرون النعنع والشبث ويتركون أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. لقد كان الشعب يعرف من هو الرب واختبروه سنيناً طويلة وكانوا يعرفون العقيدة لكنهم لم يسلكوا بحسب شريعة الله... وقد يحدث العرج الروحي في حياتنا عندما لا نحسن الاتزان بين القول والفعل وأتذكر العبارة الأولى في سفر الأعمال «اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ» (أعمال 1: 1) لقد كان قبل أن يطلب من الآخرين أن يفعلوا. يفعل ويعيش بما يعلم به... وكثيراً ما نصاب بالعرج الروحي عندما لا يتفق كلامنا مع سلوكنا وينطبق علينا قول غاندي: «احب مسيحهم وأبغض مسيحيتهم».

إن العرج الروحي يكون عندما نأخذ من الله دون أن نعطي للآخرين. وأنا أؤكد لكم أن الإنسان الذي لا يعطي لا يأخذ وأن البحر الميت ميت لأنه يأخذ دون أن يعطي وعلى مقربة منه نهر الأردن يأخذ ويعطي مياهاً جارية... وإذا أردنا لحياتنا المسيحية اتزاناً علينا أن نحسن الرؤية بين ما يعطينا الله وبين ما ينبغي أن نعطيه نحن للآخرين متذكرين القول: «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 35).

ليعيننا الرب حتى ندرك عظمة الله ولكي نستمع للرب يسوع في صلاته الكهنوتية الشفاعية وهو يقول: «وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنا 17: 3).