العودة الى الصفحة السابقة
الأشياء التي لا ترى

الأشياء التي لا ترى

جون نور


(2كورنثوس 4: 16 - 18)

«لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ»

!… يا لها من بركة روحية عميقة! نحن في المسيح لا نفشل، هذه هي شهادة الانسان المومن ابن الرب المخلص بدم المسيح. إنه لا يكترث كثيراً بالراحة أو المسرات، ولا يبحث عن المجد أو الصيت أو الشهرة.. إنما هدفه مجد سيده، لذا فهو يتحمل المشقات، ويصبر في الآلام، ويفرح في الضيقات.

لكن، ما هو السر يا ترى في هذه النصرة العجيبة؟ ما هو الدافع لهذا الانطلاق بلا توقف نحو مجد الفادي؟ الجواب: «نَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى».

نعم، هذا هو السر العجيب.

ما هي الأشياء الوقتية؟ إنها الأشياء التي ترى، فلسان حال العالم اليوم يقول: ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ كيف نلبس؟ وكيف نستمتع بالحياة؟

والحقيقة هي أن الكثرة الغالبة من الناس يسجدون في خشوع وطاعة أمام ماديات الحياة – الأشياء التي ترى...

ونحن في طريق الإيمان لنا أشياء مباركة ومجيدة، غير منظورة هنا، لكن واجبنا هو أن نثبت أنظارنا عليها. فمثلاً نحن لا نستطيع أن نرى الرب، فيكتب الرسول: «الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ» (1بطرس 8:1).

محبة المسيح التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس، فهل رأيناها؟ كلا لكننا متأكدون منها، صرنا مقبولين في الرب المحبوب وأنه قد منحنا فرحاً لا ينطق به ومجيد. فهل رأينا هذا الفرح بعيوننا؟

أبداً لأن الفرح ليس مادة تُرى بالعيون، كما أنه ليس مجرد شعور يزول بزوال المؤثر، إنما هو حقيقة نعيش فيها لأننا قد أصبحنا في شركة مقدسة مع الآب ومع ابنه بالروح القدس.

يخبروننا عن الطيور أن لها قوة غير عادية على تغيير بؤرة عيونها بتحريك العدسة بطريقة معينة، وهي بذلك تتمكن من رؤية الأجسام البعيدة جداً كأنها تحت منقارها تماماً. الأمر الذي ليس في مقدور الإنسان أن يفعله، فلا يستطيع طبيب العيون أن يعطيني «نظارة» تمكنني من رؤية الأجسام البعيدة والقريبة في وقت واحد كأنها قريبة مني – هذا غير ممكن، على الأقل حتى وقتنا الحاضر... لكن الكتاب يقول ان رجل الله أخنوخ بسيره مع الله تمتع بهذا النوع من قوة الإبصار الروحي، ففي وسط شرور جيله رأى الله بالإيمان، وسار معه في القداسة والبر. ألستم ترون معي أن هذا هو اختبار إبراهيم أيضاً؟. لقد رأى إبراهيم «الأشياء التي لا ترى»، لذلك «لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي» (عبرانيين 8:11).

جاءت الدعوة السماوية إلى إبراهيم أن يخرج، وكانت مقرونة بوعد... ومع أن الوعد في ظاهره كان صعب التصديق، إلا أن إبراهيم آمن... ومع أن الظروف، والتفكير البشري، وخبرات الناس، كانت كلها تتفق معاً في كون هذا الوعد غير معقول تصديقه، إلا أن إبراهيم آمن، وكان إيمانه قوياً، بل «تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ» (رومية 20:4).

ستظل كنيسة المسيح ضعيفة واهنة ما دام المؤمنون يظنون أن خدام الإنجيل فقط هم وحدهم الموكولة لهم «هذه الخدمة» – أي المناداة بالإنجيل. إن إنجيل المسيح ليس وقفاً على منصب، أو مركز، أو قس، أو مبشر، بل كل مؤمن مطالب بالكرازة بهذا الإنجيل.

أيها المؤمنون، ليس من السهل أبداً أن تتملصوا من هذه المسؤولية. إن كنا قد صرنا خلائق جديدة بقوة قيامته، وأصبحنا خاصته بالروح القدس، فلنحذر أن نتنكر لهذه الدعوة العليا. قد نكون شهوداً غير أوفياء، وخداماً غير مثمرين، وسفراء غير أمناء، ومرسلين غير مرضى عنهم، ونصرف كل أوقاتنا في تصريف أمورنا الذاتية ومصلحتنا الشخصية، لكن هذا لا يعني من جانبنا إلا محاولة التملص والتمرد ضد مخطط الرب لنا! أتريد أن تتأكد مما يطلبه الرب منك اليوم؟ إذاً فاقرأ هذه الأجزاء من كلمة الله. إنها ما زالت موجهة إليك بصفة خاصة.

فكلنا إذاً خدام الله، وختم المسيح لهذه الغاية هو على كل مؤمن. كلنا آلات، ووكلاء لذاك الذي فيه أظهر محبته للعالم أجمع بقوة عمل الصليب وكفارة الدم الطاهر.

يا ليت كل مؤمن اليوم له نفس الحرارة والقوة والتعبير والشهادة عما فعل الرب معه. لكن يؤسفنا أن معظم المؤمنين اليوم يقبعون في صمت عجيب!! إننا نحتاج إلى كنيسة ناطقة، شاهدة، منادية بحق المسيح، إننا نحتاج إلى مؤمنين شجعان، لا يهابون الكرازة بالإنجيل في وقت مناسب وغير مناسب.

ياليت كل مؤمن يطرح عن كاهله الخجل والتردد، وكفى ما ضاع من فرص ولنتسابق كلنا بعزم لهدم حصون إبليس.

أيها المؤمنون، إن خدمتنا هي من قبل الله، لذا فنحن لا نقدر أن نكف عن الشهادة! لا نقدر... إلا أن نتكلم عن الأشياء التي رأيناها وسمعناها. لعل الرب يهبنا أن نكون شهوداً يعتمد عليهم، وخداماً مثمرين، وسفراء أمناء، ووكلاء صالحين.