العودة الى الصفحة السابقة
المسيح يتصور فينا

المسيح يتصور فينا

جون نور


قال الرسول بولس وهو يكتب إلى أهل غلاطية: «يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية 4: 19). لقد سبق للرسول أن تمخض بهم إلى أن اختبروا الميلاد الجديد، إلا أنه لم يقنع بهذا، لأنه لم يرد لهم البقاء في حالة الطفولة الروحية، لكنه أراد لهم التقدم حتى يصلوا إلى النضوج الروحي.

إن التمتع بسكنى المسيح فيك هو الشيء، لكن أن يتصور المسيح فيك فهذا شيء آخر، إن حقيقة سكنى المسيح فيك يتم في لحظة حالما تؤمن بالمسيح المخلص، لكن أن يتصور المسيح فيك فهذه عملية أخرى تستمر في الإنسان طوال حياته.

ترى كم فينا من الذات وكم فينا للمسيح؟ رنم أحدهم ترنيمة تقول: «يا يسوع المسيح، أريدك أن تنمو فيّ، وأن ينكمش كل شيء آخر. أريد أن قلبي يزداد قرباً منك يومياً، وأريد أن أتحرر بالكامل من الخطية». إن كنا قد ولدنا ثانية فإن فينا بذرة الحياة الروحية، لقد نلنا الحياة الأبدية في لحظة الإيمان عن طريق الروح القدس، لكن هذه الحياة كانت كمجرد جنين صغير وهذه الحياة الصغيرة تحتاج إلى عناية مستمرة، وإلى تغذية. فهذا ما قصده الرسول بولس، حين قدم في رسالته هذه النصيحة، «وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ» (1بطرس 2: 2). إننا إذ نسلم ذواتنا لعمل الروح القدس الذي يقدسنا، ونحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية وأحياء لله، فإننا بهذا نجعل المسيح يتصور فينا.

لقد صور أحدهم، هذه العملية حين قال: «يا للحزن والعار أن يأتي عليّ وقت فيه أجعل السيد في شفقته يلتمس منى، لكني أجيب بكبرياء: الكل من الذات ولا شيء منك. لكنه وجدني، ولما رأيته ينزف دماً على خشبة الصليب، وسمعته يصلي: يا أبتاه إغفر لهم، فقال قلبي في خشوع: جزء من الذات وجزء منك يا سيد. مرت الأيام ولمست رحمته تشفيني وتعينني وتمنحني الحرية، لقد تذوقت حلاوته ونلت منه القوة، فامتلأت تواضعاً وابتدأت أقول: القليل مني والكثير من شخصك. سيدي لقد انتصرت عليّ بمحبتك، تلك المحبة التي هي أعلى من السماء وأعمق من أعماق البحار، والآن فإن نفسي تصرخ قائلة: لا شيء من الذات لكن الكل هو منك».

كيف تبدأ عملية تصور المسيح داخل حياة الإنسان المؤمن؟ لندرك أن كل الظروف التي نجتاز فيها في الحياة هي بحسب خطة إلهية، والقصد منها أن يتصور المسيح فينا. إن كل ما نرثه، وكل ما يحيط بنا، كل خيبة أمل أو فشل في الحياة، لا يأتينا نتيجة مجرد الصدفة لكنه يأتينا نتيجة خطة محكمة رسمها إلهنا المحب العالم بكل شيء. فإذ نخضع ذواتنا لكلمة الله، ولسيادة المسيح، ولقيادة الروح، فإن كل الظروف ستتحد معاً لتفطمنا عن الحياة الأولى التي فيها كنا نطلب ما لذواتنا، وتغيرنا لنصبح على صورة المسيح. إن أبانا يحبنا جداً لدرجة أنه يضعنا مرات وسط متاعب كثيرة، أو يحرمنا من أشياء نحبها جداً، أو يجعلنا في عملنا نوجد وسط أناس متعبين، وقصده من كل هذا هو أن يجعلنا نيأس من أنفسنا ونتعلم كيف نتكل أكثر على المنابع التي لنا في شخص المسيح.

إن عملية تصور المسيح فينا تتقدم بسرعة أكثر في أوقات الضيق عنها في أوقات النجاح. فحين تسير كل الأمور سيراً طبيعياً فإننا نكون عرضه لأن ننسى أن نتكل على الله، لكن في وقت المتاعب نلتجئ إليه ونطلب نعتمه وعونه. إن أعظم القديسين كانوا هم أولئك الذين جازوا امتحانات قاسية، وهكذا خضعوا لتدريبات قادتهم إلى أن يصبحوا على صورة المسيح.

كان يوجد في استراليا امراة مؤمنة لم يكن لها ذراعان ولا قدمان لقد كانت مجرد جسد بغير أطراف وقد ظلت في فراشها دون حركة مدة ثلاثة وأربعين سنة، وطوال تلك المدة لم تعرف الطريق للتخلص من الألم، ربما تعتقدون انها كانت إمرأة متشائمة لا تحب الحياة وتعتقد عزيزي المستمع أنك إن رأيتها أنك سترى إمرأة حزينة، لكنها كانت إمرأة مؤمنة فرحة متشبهة بالمسيح، لقد ربطت في الجزء الصغير الباقي من ذراعها قلم حبر، وفي الجزء الباقي من الذراع الآخر قطعة من المطاط، وكان بجانبها رف عليه أوراق للرسائل. لما أصابتها تلك الكارثة، بدلاً من أن تتمرد على الله، قبلتها منه، واعتبرتها وسيلة لكي ما تعجل تصور المسيح فيها. لقد تعلمت الكتابة، وابتدأت ترسل خطابات دورية لمختلف أنحاء العالم، وابتدأ البشر يزورونها في غرفتها الصغيرة، وكل من زارها كان يتأثر من حياة النصرة التي كانت تعيشها. كان لديها رسائل من أناس في مختلف بقاع العالم عرفوا المسيح عن طريق تلك الأخت، إما نتيجة لزيارتهم لها، أو عن طريق مراسلتها لهم. إن مئات النفوس قد أتت إلى المسيح عن طريق الخدمة العطرة لتلك الأخت، فالظروف التي كان يمكن أن تسحقها وتمرمر حياتها جعلتها تتشبه أكثر بسيدها.

إن هذه الحقائق المجيدة يجب أن تتحقق في حياة كل مؤمن، فأنت في المسيح، والمسيح فيك، والمسيح يتصور فيك عن طريق الروح القدس. فلنخضع ذواتنا بغير تحفظ لعمله الإلهي حتى يتمم عمله فينا، ويصل بنا أخيراً إلى الحالة التي فيها نصبح مشابهين لصورة المسيح.