العودة الى الصفحة السابقة
سلام يسوع

سلام يسوع

جون نور


لا يوجد إنسان في هذا العالم، لا يحب أن يملأ السلام نفسه وقلبه وعقله، ومما لا شك فيه، أن الظروف التي يجتازها عالمنا اليوم، قد حرمت الناس من التمتع بالسلام الكامل، خوفاً من الحرب، خوفاً من المرض، خوفاً من الحاجة، وانعدام الثقة بين الناس كل هذه الأشياء أشاعت جواً رهيباً من القلق العقلي والنفسي، وحرمت الكثيرين من السلام الإلهي والتمتع به، وجعلتهم يعيشون في حياة القلق الدائم.

لقد ازدادت ثروات العالم، من العلم والمعرفة والمادة، ولكنه بكل أسف، فقد استقراره الداخلي وأمنه الروحي، لأن المادة طغت على تفكيره، فأفقدته نعمة السلام، فأصبح مضطرب الفكر، ويحاول أن يفسر كل شيء بعقله القاصر، وعلى أسس مادية بحتة، ولذا فقد الإنسان سلام العقل واستقرار النفس ولهذا جئتكم اليوم لأحدثكم عن السلام النفسي سلام يسوع، فيا ليت كل نفس مضطربة في هذا اليوم، ترفع أياديها طالبةً أن يغمر، سلام يسوع حياتها.

دعونا نتأمل معاً في الأسس المتينة، القوية، التي لو بنينا عليها حياتنا، لتمتعنا بالسلام النفسي العميق، الذي لا تزعزعه ظروف الحياة، فما هي أسس هذا السلام النفسي؟ الأساس الأول:

1 - نوال الغفران:

يستمر الإنسان معذباً، مضطرباً، حائر الفكر، طالما كانت نفسه مثقلة بالإحساس بالخطية، فالنفس التي لم تتحرر من ثقل خطاياها هي في حقيقة الأمر نفس يائسة لا سلام لها.

اسمعوا داود يبكي بدموع «آثامِي قَدْ طَمَتْ فَوْقَ رَأْسِي. كَحِمْل ثَقِيل أَثْقَلَ مِمَّا أَحْتَمِلُ» (مزمور 4:38).

فالإحساس بالإثم، ثقل وعذاب، والنفس التي لم تتذوق نعمة الغفران، تحترق في أتون إحساس مؤلم ورهيب، فأين السبيل إلى الخلاص من هذا الإحساس، والتمتع بسلام النفس.

ومن يقدر أن يعطي السلام إلا صانع السلام ذلك السلام الذي صنعه، بدمه على الصليب.

« أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا» (إشعياء 53: 4 و5) لقد ظل داود حزيناً إلى أن نال غفران الله وفي النهاية يصرخ قائلاً «طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُل لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلاَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ» (مزمور 32: 1 و2).

والأساس الثاني للسلام:

2 - عدم الاهتمام بمطاليب الحياة مع إلقاء همومنا بالصلاة على الله:

إنه لمن المؤسف أن نرى الكثيرين من أولاد الله غير متمتعين بسلام الله، والعلة الكبرى لاضطرابهم هو القلق، فالقلق شيء عقلي يكونه الإنسان لنفسه، حتى يتملكه، ويصبح عدواً في حياته ويهددها، فنحن نشحن حياتنا بعناصر القلق، الأم تخاف على أولادها، تخاف عليهم من المرض، أو السقوط أو من حادث مفاجئ فتصبح حياتها مشحونة بعناصر القلق المرير، ولا تعود قادرة على الإفلات منها.

القلق عدوى تأتينا من الذين ينظرون إلى الحياة نظرة خالية من الإيمان بالله.

فما هو العلاج إذن، العلاج يأتينا في كلمات الرسول: «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ» (فيلبي 4: 6)، وكلمة شيء، تعني كل شيء، اسمعوا ما قاله يسوع بهذا الصدد ««لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟» (متّى 6: 25 و26).

فكيف نلقي همومنا على الرب، في كل شيء بالصلاة والدعاء لتعلم طلباتكم لدى الله.

إن القلق يمنعنا من الصلاة، لكن الصلاة تزيل عنا القلق والأرق.

والأساس الثالث للسلام النفسي هو:

3 - تمكين الرأي في الله:

لنسمع هذا الوعد الجميل من شفتي المخلص «قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يوحنا 16: 33)، سنجد السلام الحقيقي فقط في المسيح، أما العالم فستجد فيه، ضيقاً شاملاً، حروباً، ضيق الأشرار، وضيق حمل الصليب، والتجارب، والضيقات، وضيق الحياة المادية، ولكن سلام المسيح هو السلام الذي يعزي رغم كل هذه الظروف، وعندما تختبرون هذه التعزية تستطيعون أن تقولوا بكل ثقة، «عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي» (مزمور 94: 19).

أما الأساس الرابع والأخير للسلام النفسي:

4 - طاعة وصايا الله:

إن سلام المسيح الذي يفوق كل عقل لا يعطي لنا إلا عن طريق الطاعة، الكاملة لوصايا الله، فإن أطعنا وصاياه وغفرنا كما غفر هو لنا، ولبسنا المحبة فلا بد أن يملك في قلوبنا، سلام الله، فيصبح قلبنا ملكاً لإلهنا، فلا تدخله أفكار القلق، والاضطراب والأحزان، بل يتربع فيه سلام الله «انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ» (مزمور 37: 7)، فإن تأخر نجاحك، وإن تعطلت مشاريعك، وإن تأخر شفائك، فانتظر الرب واصبر له، لأن الذين ينتظرون الرب «يُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء 40: 31)، فإن سرتم في هذه الطريق، فطوباكم لأنكم سوف تتلذذون بـ «سَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل» (فيلبي 4: 7) وليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام في الإيمان. آمين.