العودة الى الصفحة السابقة
التلميذان المتحيران

التلميذان المتحيران

جون نور


في لوقا 13:24 – 25 نجد قصة التلميذين المتحيرين، كانا يمشيان لمسافة سبعة أميال إلى قرية اسمها «عمواس» . ولم يخبرنا الكتاب المقدس لماذا كانا ذاهبين إلى هناك، لكنه يخبرنا أنهما بينما كانا منطلقين إلى عمواس كانا «يتكلمان ويتحاوران» كانت تدور بينهما مناقشة هامة.

وفي هذه الأيام، ما أكثر المؤمنين الذين يهوون النقاش، مناقشة بعد مناقشة، في موضوع تلو الآخر! والكنيسة أيضاً أصبحت كنيسة مناقشات! إنني لا أقصد بذلك أن النقاش أمر سيئ، لكن النقاش من أجل النقاش يقود إلى لا شيء. وهذان التلميذان كانا يتحاوران لكنهما لم يصلا إلى حل، أو لم يوصلهما حوارهما إلى نتيجة.

كانا يتحدثان عن موت الرب يسوع، وكانا يعتبرانها مأساة عظمى، وكلما أستطرد حوارهما ازداد عبوسهما، وحيرتهما. قالا: «لقد مات! وكنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدينا! لكنه مات كمجرم، وانتهى رجاؤنا!».

وإذا بيسوع يمشي معهما دون ان يعرفا من هو، يصحبهما. لم يدعواه لذلك، لكن بؤسهما كان دعوة كافية – وأنت، ببؤسك، وحيرتك، تقدم دعوة مباشرة ليسوع لكي يأتي إليك، ويمشي معك، ويصحبك – وعندما كان يمشي معهما لم يكن ساكتا، بل كان يفسر لهما المكتوب، ويوضح لهما ما غمض عليهما.

لقد اتهما يسوع بأنه متغرب وحده في أورشليم، وأنه لا يعلم الأمور التي حدثت في تلك الأيام، فقد أجابه أحدهما الذي اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرب وحدك في أورشليم ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام؟ والآن، من الذي كان متغرباً؟ كليوباس، أم يسوع؟ بهذا ترون كيف أنه في الإمكان أن نسيء فهم الأمور. لكن الرب تعامل معهما بصبر وتأن، ولذلك فما أجمل الشهادة التي شهدا بها بعد حديثه معهما! ألم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب!

لقد عرفاه عند كسر الخبز. لقد لمحا آثار المسامير في يديه، فتحرر قلباهما من الاضطراب والحيرة والعمى الروحي، فأصبحا حرين، وحصلا على الإجابة لكل أسئلتهما.

لقد ذهبا إلى عمواس في حيرة ويأس، ورجعا إلى أورشليم بفرح وتهليل وتمجيد. وربما أنت أيضاً تجر رجليك جراً وأنت تسير في طريق هذه الحياة، لكن يسوع يقدر أن يجعلك تقفز وتجري.

لقد ذهبا إلى عمواس وليست لديهما أخبار سوى أخبار الموت، ورجعا ممتلئين بأخبار القيامة المفرحة. ذهبا في حيرة وعمى، ورجعا برؤية واضحة عن الرب يسوع المسيح اسمعوا ما يقوله بولس:

«وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يَقُودُنَا – بولس، وأنت، وأنا – فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا – ببولس، وبك، وبي أنا أيضاً – رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ» (2كورنثوس 2: 14).

ما الذي كان بولس يعنيه هنا بموكب النصرة؟ إنه يستخدم تشبيها جميلاً من روما القديمة، ومشهداً من مشاهدها المجيدة. أنه مشهد القائد المنتصر الذي هزم الأعداء، وها هو يعود إلى عاصمة بلاده في موكب مجيد.

عندما كان أحد قواد الإمبراطورية يتمم هذه الشروط جميعاً، كانت روما تمتلئ بالبهجة والفرح، وتحدد الدولة يوماً معيناً لإعلان الانتصار والاحتفال به. فيتقدم المشهد أعضاء (البرلمان)، ويتبعهم حاملو المشاعل، ثم حاملو الأعلام والرايات. ويقتاد الكهنة ثوراً أبيض ليذبح كضحية، وبعدهم يسير الأسرى من الأمراء والقواد في جيش العدو المهزوم الذين أسروا في المعارك ضد القائد المنتصر – يسيرون على أقدامهم في بؤس، وهزيمة، وعار. وبعدهم يأتي القائد المنتصر، وبعده جنود جيش روما المنتصر الغالب يهتفون لقائدهم الذي قادهم إلى النصر. وبينما هذا الموكب يسير في شوارع روما كانت المدينة بأسرها تضج بالهتاف والفرح بكيفية لا يقدر أحد أن يتصورها، فتشق هتافاتهم عنان السماء.

كان الكهنة يحرقون البخور، فتملأ رائحته الطرقات، وحتى الأسرى كانوا يشمون هذه الرائحة العبقة، لكنها بالنسبة لهم كانت رائحة الموت، فبعد قليل سوف ينفذ فيهم حكم الإعدام. أما بالنسبة للجنود الظافرين المنتصرين فكانت رائحة الحياة نفسها. إنهم يسيرون في «موكب النصرة» ، موكب الحياة .. بل الحياة المتجددة.

تصور نفسك، ولو للحظة، أنك أنت أيضاً تسير في نفس الطريق، وأن الرب يمر هناك في موكب نصرته، فهل أنت أسير بسبب خطاياك، تنقاد للدينونة والموت؟ أم أنك واحد من أسرى الرجاء، نظير بولس الرسول؟ قد تقول: «أعلم أنني قد أسرت، لكن الفرق هو أنني لست أسيراً ينتظر الموت، لكني أسرت لأحيا. وأنا الآن أسير في موكب نصرة المسيح، سيدي، وقائدي، ولذلك فأنا أستطيع أن أقول مع بولس: «شكراً لله، الذي يقودني في موكب نصرته في المسيح كل حين، ويظهر بي رائحة معرفته في كل مكان».

هل فقدت أعصابي بالأمس؟ وهل تسبب ذلك في حزني وشقائي؟ نعم، لكن «شكراً لله» . فقد دخل القائد المنتصر إلى حياتي، وها كل قوى الشر والهزيمة تجر أذيالها هاربة. نعم، شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح .. حيثما نكون.

قد يضحك البعض عندما يسمعونك تقول «شكراً لله»، وقد يقولون: «نحن نعرف أنه مؤمن مهزوم، والآن هو يحاول تغطية هزيمته بتقديم الشكر لله!». لكنك تعرف ما الذي تعنيه عندما تشكر الله، وتعرف أنك تسير في موكب نصرة المسيح.

لقد قام المسيح من الأموات، وموكبه المنتصر يغطي العالم بأسره. لكن، أول كل شيء، فإن نصرته يجب أن تغطي كل أركان حياتك، وهو يود لو أن كل عضو فيك يهتف قائلاً: «نصرة! غلبة! سلام!... شكراً لله!».