العودة الى الصفحة السابقة
نعمة العطاء

نعمة العطاء

جون نور


عندما نتأمل فيما جاء في الأصحاح التاسع من رسالة الرسول بولس الثانيةإلى أهل كورنثوس (عدد 1 – 8، 15)، نلاحظ أن الرسول يتحدث عن العطاء الذي تقدمه الكنيسة في كورنثوس إلى فقراء القديسين في أورشليم حتى تتثبت الكلمة هناك. والرسول يدعو إلى تجهيزها مقدماً قبل وصوله إلى كورنثوس، فمثل هذا العطاء يجب أن يكون له استعداد خاص قبل جمعه. ونحن اليوم لا نجمع كثيراً لهذا الغرض لأننا لم نتعود أن نرتب له استعداداً سابقاً، حتى أصبح الناس لا يشعرون بالرغبة في العطاء لهذا العمل المبارك.

دعونا الآن نتأمل في حديث الرسول بولس لكنيسة كورنثوس، والذي قصد به أن يحثهم لجمع أكبر قدر لهذا الغرض. إنه يحرضهم على أمور ثلاثة:

أولاً –العطاء قدوة للجمع:

قصد الرسول أن يحرض المؤمنين عن طريق مجد العطاء وفخره، إذ يقول لهم: «لأَنِّي أَعْلَمُ نَشَاطَكُمُ الَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ» (2كورنثوس 9: 2). هذه السمعة الطيبة أمر مبارك، لأنها سمعة لمجد الله.

يوجد تأخر وكسل عند الكثير من الكنائس بخصوص هذا الأمر.

لا يوجد شيء معيب في معرفة العطاء. إن تعليم الكتاب إنك لا ينبغي أن تعلم شمالك ما تفعل يمينك قد استغل أسوأ استغلال من البخلاء. فقد استعملوه كستار لتغطية بخلهم وعدم سخائهم. وفي اعتقادي أن اليد اليسرى لو علمت ما دفعته اليد اليمنى لحفزها هذا الأمر وشجعها على العطاء هي الأخرى. يجب أن نحث الناس على العطاء عن طريق القدوة الصالحة، ونحن لا نقصد أن نجعل أحداً يفتخر أو يشعر بالكبرياء لأنه يعطي.

ولكن قصدنا أن نجعله مثالاً حسناً للآخرين. دعونا ننشط في عطائنا، وكل ناحية في كنائسنا ستنشط هي الأخرى.

ثانياً – قانون الكرم المسيحي:

مرة ثانية يحاول الرسول أن يستحث المؤمنين للعطاء، فيذكر لهم قانون الكرم المسيحي: «إِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ» (2كورنثوس 9: 6).

لا شك إن الرسول بولس كان يعرف فئة من الناس التي كانت في كنيسة كورنثوس، والموجودة عادة في كل كنيسة أخرى تلك التي لا ترد أن تعطي وتتنصل بالقول: «لدينا الكثير من الفقراء في بلدنا». هذا الصنف من الناس الذي لا يدفع فلساً واحداً من أمواله لعمل الرب.

لذلك يبدو أن بولس تعلم الصبر وطول الأناة تجاه هذه الفئة من الناس أكثر منا جميعاً. وهو الآن يحاول أن يذكرهم بالقانون الأساسي للعطاء: «أَعْطُوا تُعْطَوْا» (لوقا 6: 38)، وأيضاً: «مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ».

آه لو أدركت كنائسنا هذا الأمر! إذن لتوقعنا تقدماً شاملاً في كل شيء. فهل نريد أن نحسن مركزنا المالي في بلادنا؟ إن طريقة الله لذلك هي أن نقدم لعمل الله في الخارج. وهل نريد أن تخلص نفوس في بلادنا؟ لنحاول إذن أن نعمل على خلاص النفوس في الخارج. هذا هو الدرس العظيم الذي علمنا إياه سيدنا عندما قال: «مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (يوحنا 12: 25). هذه هي قمة النصر الروحي.

يا أصدقائي إن الكنيسة هي القلب النابض للعمل التبشيري في العالم. والله قد أمدها بمصادر مختلفة من الثروة والغنى، بعضها كبير والآخر صغير، ليحفظ حياتها وكيانها. وقد حملها مسؤولية عظيمة إذ جعلها أيضاً مركز التوزيع للعالم كله. وحياة الكنيسة نفسها تعتمد على مقدار إنكارها لذاتها وقديمها للعالم. وبقدر ما كانت تقدماتها كبيرة وبروح التواضع بقدر ما يمتعها الرب بالقوة والرفاهية. هذه هي خطة الله دائماً. وفي رأيي أن موت الكنائس وتأخرها الروحي في هذه الأيام يرجع إلى عدم أمانتها في هذا الأمر.

ثالثاً – عطية الله لنا:

الوسيلة الأخيرة التي لجأ إليها الرسول ليحث الكنيسة على العطاء هي تذكيرها بعطية الله لها: «فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا» (2كورنثوس 9: 15). وهذا هو المقياس السامي للعطاء: عطية إلهنا لنا في شخص المسيح.

نتحدث كثيراً عن صعوبات الخدمة، لكن تضحية المسيح الغالية تشعرنا بالخجل الكثير.

دعونا الآن ننتقل لنشاهد المنظر عند الجلجثة.. ويسوع على الصليب.. الجبين الذي توج يوماً بالمجد نراه الآن متوجاً بالشوك.. واليدان اللتان امتدتا بالحب والرحمة نراهما مسمرتين على الصليب.. والقلب الذي خفق بالحب والحزن والألم لأجل البشر نراه مثقوباً بالحربة.

إنها لحظة حزينة في تاريخ العالم.. ها هي الأرض تهتز، والجبال ترتعد، والشمس تحجب نفسها في ستار من الظلام، لأن ابن الله قد مات، بعد أن قال قد أكمل.

أي شيء ذاك الذي أكمل.. إنها الخريطة التي كانت في قلب الله تلمسها الآن يده المباركة اللمسات الأخيرة.

وقد تصالح العالم مع الله عند الصليب.

يا أعزائي، هل نتجاوب مع عطية الله بعواطفنا وأموالنا وكل ما نملك، لنفرح القلب الذي أحبنا، وننشر ملكوته إلى أقصى الأرض؟