العودة الى الصفحة السابقة
بركات الصليب

بركات الصليب

جون نور


في أحلك لحظة من لحظات التاريخ، ومن فوق رابية الجلجثة وقد سادها ظلام دامس لم يشهد العالم له نظير، ومن أعنف وأقسى آلة للتعذيب والموت عُرفت في تاريخ الإنسانية... من الصليب سطعت أنوار وضاءة أضاءت قلب البشرية المظلم وبددت سحب خطاياه الكثيفة وأنارت للإنسان التعس الهالك الطريق إلى الحياة الأبدية.

نعم، فمن صليب الفادي أشرقت أنوار سماوية مباركة فاقت لمعان الشمس في قوتها، وفي صليب الفادي تحررت البشرية من أسر وعبودية الخطية التي قيّدتها عبر التاريخ، وعلى صليب الفادي أعلنت محبة الله غير المحدودة للإنسان، وبصليب الفادي أكمل أعظم وأروع مثال للتضحية والبذل شهده العالم. ونستطيع إذ نتأمل الصليب أن نلاحظ أربع بركات رئيسية تشرق منه وكل منها يعلن جانباً من جوانب عمل المسيح الكامل الذي أتمه على الصليب:

1 - بركة المصالحة

في (2كورنثوس 19:5) نقرأ هذا القول: «أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ». وكلمة المصالحة تعني الانسجام والتوافق والوحدة بين الإنسان وخالقه، وهذه كانت قد فُقدت بسبب خطية الإنسان الأول وعصيانه لوصية الله، ونحن لا نستطيع أن نصف بتحديد سر القوة الكامنة في الصليب. لكننا نعرف جيداً أن كل من يأتي إلى الصليب في بساطة الإيمان يحصل على السلام الكامل مع الله ومع الناس ومع نفسه.

ففي صليب المسيح نستطيع أن نتمتع بمصالحة مثلثة الجوانب:

أ - مصالحة مع الله: فإن كنت بسبب الخطية قد فقدت السلام تعال إلى الجلجثة وضع يدك في يد المصلوب وهو بدوره يضعها في يد الله فتتم المصالحة.

ب - ثم أيضاً مصالحة مع الناس: فإن أول ثمار الحياة المسيحية هي محبة الآخرين، فمهما كانت العداوة والبغضة التي تفصل بينك وبين أخيك في الإنسانية فإنك حالما تقترب إلى الصليب وتسمع المصلوب وهو ينادي الآب قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ» (لوقا 23: 34) سرعان ما تزول كل أحاسيس الكراهية من قلبك وتحل بدلاً منها المحبة العجيبة النابعة من قلب الله الكبير المحب.

ج - وأخيراً مصالحة مع أنفسنا: فالنفس المنقسمة على ذاتها والضمير الثائر الذي يعذب الإنسان كل يوم، كل هذه تنتهي عند الصليب ويحل بدلاً منها «سَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل» (فيلبي 4: 7). والبركة الثانية من بركات الصليب:

2 - بركة الفداء

في (أفسس 7:1) يقول الكتاب: «الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا». هذه هي الفكرة الرئيسية في عمل الصليب، بل هذه هي النقطة المركزية التي تدور حولها كل بشارة الإنجيل. إن المسيح على الصليب كان نائباً عن البشرية الخاطئة المدانة أمام الله، ولذلك يقول الوحي: «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ» (1بطرس 24:2).

فالمسيح على الصليب لم يكن مجرماً ينال قصاصه من عدالة الأرض، لكنه كان فادياً يتألم نيابة عني وعنك. - البار من أجل الاثمة - لكي يوفي حق عدالة السماء الذي كنا مطالبين بوفائه، وبهذا فالفداء هو النتيجة المباشرة لتلك المحبة الكاملة الكامنة في قلب الله من نحو البشرية منذ الأزل والتي لا نستطيع نحن بعقولنا الضعيفة أن ندركها، «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 16:3). والبركة الثالثة من بركات الصليب:

3 - بركة التجديد

يقول الرسول بولس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كورنثوس 17:5) لقد سطعت أنوار الصليب المجددة على الكثيرين فاختبروا قوتها العجيبة التي غيّرت حياتهم وجددت قلوبهم وخلقتهم خليقة جديدة.

لقد سطعت تلك الأنوار على أغسطينوس الشاب الفاسد الفاسق فخلقت منه القديس أغسطينوس، ومنذ ألفي سنة حتى الآن لم يفقد الصليب قوته المجددة، وذلك النبع الذي فتح في جنب الفادي لم يزل حتى الآن مفتوحاً للتطهير من الخطية والنجاسة، وكما اختبر ملايين الناس في القديم قوة عمل الصليب فتجددت قلوبهم وتغيرت حياتهم وأصبحوا خليقة جديدة في المسيح يسوع تستطيع أنت عزيزي المستمع الآن إذ تفتح قلبك لتسطع فيه أنوار الصليب - أن تختبر قوة وفاعلية الصليب في تغيير حياتك وتجديد قلبك. والبركة الرابعة من بركات الصليب:

4 - بركة التبرير

في (2كورنثوس 21:5) يقول الوحي: «لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ». فنحن - وبواسطة الصليب - لا نتمتع فقط بحب الآب وفداء الابن وتجديد الروح القدس، ولكننا أيضاً نشترك في طبيعة الله وفي قداسته.

فمن الصليب تشع علينا أنوار التبرير فتنير أمامنا طريق الغلبة والنصرة على الدوام، وبالصليب نستطيع أن نلبس ثوب بر المسيح، ونظهر فيه بلا لوم أمام الله والناس، وفي الصليب نتحد مع الله ونصبح شركاء الطبيعة الإلهية، وفي الصليب نستطيع أن نمتلك بر الله ذاته.أيها العزيز هل فتحت قلبك للتمتع ببركات الصليب، أم أنك ما زلت تعيش في ظلمة الخطية إلى الآن؟؟