العودة الى الصفحة السابقة
ملك الملوك

ملك الملوك

جون نور


كثيرا ما يجعل الناس يوم ذكرى القيامة المجيد أو ما نسميه عيد الفصح يوما للمظاهر وواسطة لنرى بعضنا مرة كل سنة، وبينما يسوع في هذه المناسبة يدخل إلى أورشليم كثيرون يدخلون الكنيسة مرة واحدة في السنة بهذه المناسبة وبينما السيارات تفرش أبواب الكنائس والملابس الجميلة تزين أجسادنا والسجاجيد تملأ كنائسنا. فرش الكثيرين في زمن يسوع ملابسهم وسعف النخيل ليمشى عليها الاتان الذي ركبه يسوع ليدخل مدينة أورشليم. ان يسوع في دخوله إلى أورشليم إنما أراد أن يجعل من ذلك لنا رمزاً ومعنى.

جاء مخلصنا إلى هذا العالم في أقل مظاهر التواضع. وعاش حياته بعيداً عن كل ما يؤول إلى الفخر والتمجيد. أحب العزلة وآثر الانفراد وتجنب كل ما ينتظر من ورائه مجد.

لقد بين فيما مضى وظيفته بالوعظ والتعليم والإنذار، وها هو الآن يظهر وظيفته الملوكية. وسيظهر عند صلبه وظيفته الكهنوتية.

كان دخول المسيح أورشليم في يوم الأحد حتى تطابق الحقيقة المثال. لأنه يجب أن خروف الفصح - الذي هو رمز للمسيح - يفرز ليؤكل بعد خمسة أيام (خروج 3:12 و6). فليس عبثاً أن نرى يسوع حمل الله الذي يرفع خطية العالم يفرز علانية في اليوم ذاته مع الأغنام الكثيرة الرامزة إليه. ثم يذبح على الصليب وقت ذبحها في الهيكل بعد خمسة أيام (عبرانيين 9:10 و10).

وإذا تأملنا في صفات «ملك الملوك». وجدنا أن في يسوع:

1 - أن يسوع المسيح هو الملك الأبدي الوحيد

ظن دقليانوس الامبراطور الروماني أنه قد لاشى مملكة المسيح وأنه لم يبق من أتباعه بعد اضطهاداته المريعة من يذكر اسمه. ولكن لو قام ذلك الإمبراطور اليوم ورأى إنجيل المسيح متداولاً بين كل أمم العالم، والديانة المسيحية آخذة في النجاح، ألا يعترف ويصرخ مع الملاك قائلاً :«وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لوقا 33:1). وألا يهتف مع دانيال: «وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ» (دانيال 14:7).

لقد تنبأ دانيال عن أربع ممالك قوية تظهر وهي ممالك الكلدان والفرس واليونان والرومان ولكنه قرر زوالها جميعاً بينما مملكة المسيح تبقى، تلك التي شبهها بحجر قطع من جبل بغير يدين وقال عنه: «فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا» (دانيال 2: 35). وهكذا تمت نبوة دانيال. فإن تلك الممالك العالمية التي عزلت ولحقها الزوال ككل شيء عالمي بينما مملكة المسيح الروحية امتدت ولا تزال تمتد وستمتد إلى أن ينتهي العالم وهي لا تنتهي.

فيسوع يحق له دون غيره أن يسمى ملكاً لأنه ملك أبدي. أما ملوك العالم فملكهم غير ثابت. اليوم تراهم ملوكاً وغداً ينزع الملك عنهم ويغدون من عامة الناس...

2 - أن يسوع ملك لأنه المخلص الوحيد

أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!

كانوا يهتفون له: «أُوصَنَّا لابن داود. مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!» (مرقس 11: 9 و10)). ومعنى «أوصنا». أي «خلص». وهي مأخوذة من (مزمور 118: 25 و26) حيث قيل «آآهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ». فهو المخلص الوحيد الذي دعي اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم. إن ملوك العالم يأخذون مجدهم على حساب الناس وتسخيرهم. أما يسوع فمجده قائم على تضحيته بنفسه لخير البشر. وأعظم ملوك العالم شفقة لا يستطيع أن يخلص إلا إلى حين وفي دائرة محدودة. أما يسوع فهو وحده القادر «أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيين 7: 25).

3 - أن يسوع ملك أسس ملكوته على المحبة

حينما أراد يسوع أن يدخل أورشليم كملك لم يستخدم أية قوة أو حيلة للإتيان بالجموع. ومع أنه يملك كل قوة يستطيع أن يجذب بها الجمهور لكنه لم يستخدم إلا لطفه ومحبته. أما ملوك العالم فإنهم يشيدون مجدهم على السفك والقتل. وكثيراً ما يرغمون الجماهير على الهتاف لهم بالألسنة بينما القلوب تكاد تتمزق من السخط عليهم. يسوع هو الملك الوحيد الذي بنى ملكه على المحبة. لهذا نجد ملكه دائماً يتسع ويمتد ويبقى.

4 - إن يسوع ملك وديع ومتواضع

قال النبي عنه مخاطباً أورشليم: «هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9:9)، فالصفة التي وصف بها ملكنا هنا هي أنه «وديع».

إن كثيرين يحاولون بلوغ العظمة بالتربع في المراكز الرفيعة ولكن ليست العظمة في المناصب بل في من يتقلدونها، فيسوع سكن المذود وركب الجحش وصعد إلى الصليب ومع ذلك لم يزل مجده ملء كل الأرض!!

5 - إن يسوع ملك لا يقبل إلا الحمد الصحيح

إن ملوك العالم يقبلون التمجيد من أي لسان، ويحبون سماع الثناء عليهم غير مميزين إن كان من القلب أو من الشفتين، ولكن يسوع ليس من هؤلاء.

إن يسوع يطلب محبتنا أكثر مما يطلب إكليلنا، يطلب خدمتنا أكثر مما يطلب هتافنا، يطلب صداقتنا وأخوتنا أكثر مما نحييه كملك كلي المجد، إن دعوة المسيح للخلاص هي دعوة فردية لكل إنسان، فهو يأتي لكل إنسان قارعاً بابه كما جاء لأورشليم، إنه أعطى فرصة لليهود ليقبلوه، ولكنهم أعطوا رأياً أخيراً «لاَ نُرِيدُ أَنَّ هذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا» (لوقا 19: 14). وهو يعطينا هذه الفرصة الآن فماذا نقول؟ إنه لن يتركنا حتى يسمع كلمتنا الأخيرة، إن الدقيقة التي فيها نخصص كفارته لنا ونؤمن بفدائه ونكرس أنفسنا لخدمته هي الدقيقة التي فيها نعترف به ملكاً علينا ونبت في مصيرنا الأبدي، فهل نحن فاعلون؟