العودة الى الصفحة السابقة
الإسمان الجليلان

الإسمان الجليلان

جون نور


«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا» (متّى 23:1). «فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى 21:1).

تلعب الأسماء دوراً هاماً في التاريخ المسيحي، فهذا آدم الإنسان الأول يشير اسمه إلى أنه مخلوق من تراب الأرض. والمرأة الأولى سميت حواء لأنها أم كل حي. وكما أن نوح يشير إلى التعزية، كذلك تغير اسم أبرام إلى إبراهيم إذ صار أباً لجمهور من الأمم. ويشير اسم يعقوب إلى طبيعته الخاصة في تعقبه واحتياله. بل إنه كثيراً ما كان القصد الإلهي في حياة الإنسان يتمثل في الاسم الذي يدعى به المولود، إذ أعلن جبرائيل الملاك الواقف قدام الله إلى زكريا الكاهن اسم ابنه يوحنا الذي تفسيره «الله يتحنن» لأنه «يَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا» (لوقا 16:1).

وهكذا تحدث الملاك في بشارته الخالدة لمريم العذراء عن الرب يسوع فقال: «فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى 21:1).

لذلك لا عجب إذا ما تغنت الملائكة بمجيء المخلص لأنه: يخلص.. من عبودية قاسية: وهي عبودية إبليس، عدو كل خير. ذلك الوحش المنتقم الجبار، الذي يضع يده على فريسته في دهاء، يحيطها بقيود من حديد أو خيوط من حرير. وهو في كل هذا يزين لها طريق الخطية، تلك الطريق التي تظهر مستقيمة لكن عاقبتها طرق الموت (أمثال 12:14).

لذلك جاء يسوع ليخلص من تلك العبودية القاسية ويحرر من ذلك الأسر البغيض كل من يؤمن به. لا من سلطان الخطية ونتيجتها فقط، بل من قوتها أيضاً، «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ» (تيطس 2: 11 - 13).

ويخلص أيضا... من أبدية مرعبة:

أبدية مرعبة تنتظر المعاندين الذين صلبوا الرقاب ضد دعوة محبته، ورفضوا اليد الكريمة التي طالما امتدت إليهم بالحب والحنان. استهانوا بالقدوس، وداسوا ابن الله، وحسبوا دم العهد الذي قدسوا به دنساً، وازدروا بروح النعمة (عبرانيين 29:10) ولقد كانت هذه الأبدية المرعبة تنتظر جميع البشر، لأننا جميعاً كنا أبناء الغضب كالباقين (أفسس 3:2)، وقع علينا الحكم الإلهي بأن «اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 4:18)، «وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية 12:5)، لنقضي الأبدية في نار لا تطفأ ودود لا يموت (مرقس 44:9)، حيث يصعد دخان عذابنا إلى أبد الآبدين (رؤيا 11:14)، «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 23:6)، موت أبدي وعذاب خالد، لا سبيل إلى الإنقاذ منه أو التشفع فيه.

لذلك بشرت الملائكة وهتفت بيسوع المخلص الذي استطاع بمحبته وعمل صليبه أن يفتح الطريق أمام قديسيه والمؤمنين به. لا إلى جنة عدن الأرضية، بل إلى أورشليم السماوية. فنحن اليوم لا ننتظر موتاً يرسلنا إلى جحيم أبدي، بل ننتظر انتقالاً – إن لم يكن اختطافاً ينقلنا إلى سعادة أبدية. إذ «سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (فيلبي 21:3)، «الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ» (1يوحنا 2:3). «وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ» (2بطرس 13:3). هناك سنفرح، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحنا منا، لأن الرب «سَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا 21: 4).

هذا هو يسوع المخلص الذي بشرت الملائكة بمجيئه. ولم يكن غير الإله المتجسد ليستطيع أن يهب البشرية هذا الخلاص وتلك الحرية، لأن حرية النفس من سلطان إبليس وعبودية الشر هي قبس من نور الله وإشراق من طلعته البهية وقداسته الإلهية، لا تؤخذ بجهود إنسان، لكن أعلنها الرب يسوع، الله الظاهر في الجسد، قدوس انفصل عن الخطاة.. ليعتق الذين عاشوا في العبودية ويرسل المنسحقين إلى الحرية «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا 36:8).

هذا هو الاسم الثاني الذي أعلنته السماء: «وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى 21:1). هو المخلص الذي غمرت فرحته أجناد السماء فرنمت: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا 2: 14).

هذا هو المخلص الذي شملت بركاته الجنس البشري كله، لأن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا.

هذا هو المخلص الذي تفاضلت نعمته فخلصني، لذلك يطيب لقلبي أن يهتف باستمرار بذلك النشيد الخالد: «الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية 2: 20).

فهل قبلت عزيزي المستمع هذا المخلص؟ «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ» (يوحنا 1: 12).

ولن يكلفك هذا القبول شيئاً، لن تدفع ذهباً ولا فضة، لأنه يقدم مجاناً، إذ أننا متبررون مجاناً بنعته بالفداء، وهذا ليس منكم، هو عطية الله، ليس من أعمال لكي لا يفتخر أحد.

ليس عليك إلا أن تؤمن به، وتصدق محبته، وها هو واقف على الباب ويقرع، مستعد أن يدخل إليك ويعمل في قلبك وليمة فرح دائمة، إذا فتحت له الباب.

ليس عليك إلا أن تلتجئ إلى مراحمه، وتؤمن بكفارته، وتنال بالإيمان به معلقاً على الصليب لأجلك غفراناً لجميع خطاياك.

من ذلك الوقت تستطيع أن تفرح بيسوع المخلص، وترنم مبتهجاً: «شكراً لله لأن الله معنا، شكراً لله لأن اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم».