العودة الى الصفحة السابقة
نور العالم

نور العالم

جون نور


الإنجيل حسب يوحنا 5:9 «مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ».

ربما لم يحدث تطور في مضمار الحياة البشرية يضاهي ما جري في القرن الحادي والعشرين وخاصة في الحياة المنزلية ووسائط النقل البرية والبحرية والجوية. ويرجع هذا إلى اكتشاف الطاقة الكهربائية وتسخيرها في موضوع الإنارة. ونتعرف على أهمية الطاقة الكهربائية عندما نذهب لزيارة المدن الكبيرة التي تضاء شوارعها بمصابيح كهربائية مبددة للظلام. فما أهمية النور في عالمنا! لو لم يكن النور لما نبتت المزروعات ولانعدمت الحياة البشرية والحيوانية بأسرها.

وقد ورد في الإنجيل ما يلي عن موضوعنا هذا من خلال المسيح بمعجزة شفائية لصالح رجل كان قد ولد أعمى. وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟ أَجَابَ يَسُوعُ: لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَأ َبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ» (يوحنا 9: 1 - 3).

هذا هو الدرس الهام الذي نتعلمه من المسيح الذي قام بمعجزة شفاء الأعمى.

ومن الكلمات التي تفوه بها المسيح بخصوص ذلك: ما دمت في العالم فأنا نور العالم.

وقد يقول قائل: كيف يمكن لمعاصري المسيح أن يعيشوا في ظلام روحي بينما كانوا قد اؤتمنوا على أسفار الوحي الإلهي؟ يكمن الجواب على هذا السؤال في موقف زعماء إسرائيل الدينيين من يسوع المسيح. فقد رفضوا قبول شهادة معجزة شفاء الأعمى واضطهدوه وكذلك رفضوا رسالة صانع المعجزة.

صنع المسيح من التفل طيناً وطلى بالطين عيني الأعمى وقال له: أذهب واغتسل في بركة سلوام. فمضى واغتسل وعاد بصيراً. فقال الجيران والذين كانوا يرونه من قبل يتسول: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويتسول؟ فقال آخرون: إنه هو. وقال غيرهم: لا، إنه يشبهه. وأما هو فكان فيقول: إني أنا هو. فأتوا بالذي كان قبلاً أعمى إلى الفريسيين. وكان اليوم الذي صنع فيه يسوع الطين وفتح عينيه يوم السبت. فسأله الفريسيون أيضاً كيف أبصر. فقال لهم: وضع على عيني طيناً واغتسلت فأبصرت.

فقال قوم من الفريسيين: هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت. فقال آخرون: كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقاق. وقالوا أيضاً للأعمى: ماذا تقول أنت من حيث أنه فتح عينيك؟ فقال: إنه نبي.

لندع السيد المسيح يشرح لنا هذا الموضوع الحساس في القسم الأخير من الفصل التاسع من الإنجيل. قال المسيح لمن كان قد شفاه:

أتؤمن بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: ومن هو يا سيد لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيته فهو الذي يكلمك. فقال: إني أؤمن يا سيد. وسجد له. فقال يسوع: إني أتيت إلى هذا العالم للدينونة لكي يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون.

عزيزي المستمع ما هو موقفك؟ هل تخال بأنك متمتع بنور روحي كاف وأن حياتك هي على أحسن ما يرام؟ أم هل تشعر في قرارة نفسك بأنك كالأعمى الذي كان معاصراً للمسيح والذي احتاج إلى عمل المسيح الشفائي ليبصر؟ ليساعدك الله القدير لتؤمن بالمسيح كما كشف عن ذاته في الإنجيل المقدس. فمن آمن بالمسيح المخلص اختبر الحياة الأبدية وصار يعيش في نور المسيح. أما من رفض المسيح فإن دينونة الله واقعة عليه إن عاجلاً أو آجلاً.

اشتدت مقاومة زعماء اليهود للسيد المسيح بعد كلامه عن موضوع الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الرعية. فأحاطوا به وهو يعلم في رواق سليمان ضمن هيكل القدس وقالوا له: حتى متى تترك أنفسنا معلقة؟ إن كنت أنت المسيح، فقل لنا جهراً! قد تظهر هذه الكلمات بريئة، إلا أنها كانت بالحقيقة صادرة عن قلوب متحجرة. كان المسيح قد ابتدأ بالمناداة برسالة الإنجيل الخلاصية بعد معموديته من يوحنا بن زكريا الملقب بالمعمدان. وقد قام بمعجزات عديدة كشفاء المرضى وإطعام الآلاف من الناس من بضعة أرغفة خبز وسمكتين وإقامة الموتى. أشارت تعاليمه وأعماله الباهرة إلى أنه كان موفداً من الله لتتميم رسالته الخلاصية والفدائية. ومع كل ذلك فإن معاصريه من اليهود رفضوا قبوله وقالوا: إن كنت أنت المسيح، فقل لنا جهراً. فما كان من السيد المسيح إلا وأن أجابهم قائلاً:

«إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. وَلكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي، كَمَا قُلْتُ لَكُمْ. خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 25 - 30).

حدث بعد هذه الأمور أن المسيح ذهب من القدس إلى عبر الأردن أي إلى شرقي نهر الأردن وأقام هناك. فأتي إليه كثيرون قائلين: إن يوحنا (أي يوحنا المعمدان بن زكريا الكاهن) لم يعمل آية قط، ولكن كل ما قاله يوحنا عن هذا الإنسان كان حقاً. فآمن به كثيرون. وكما حدث في تلك الأيام تم أيضاً على مر العصور وفي شتى أصقاع الدنيا.

فلقد نادى بالمسيح المخلص خدامه الأمناء فلاقوا الكثيرين من المعاندين والمضطهدين. ولكن وفد العديدون أيضاً إلى المخلص المسيح وآمنوا به إيماناً قلبياً ملتصقين به كفادي نفوسهم. وهكذا انضموا إلى الرعية الواحدة وآمنوا أنفسهم ومصيرهم الزمني والأبدي لراعيهم الواحد الصالح: يسوع المسيح.