العودة الى الصفحة السابقة
الكتاب المقدس

الكتاب المقدس

جون نور


إن كل من قرأ الكتاب المقدس أو درس كثيراً عنه. لا بد وأن يعترف بأن الكتاب المقدس كتاب فريد. فلقد ظل أقدم جزء منه صامداً أكثر من 3000 سنة في حين تلاشت من الوجود كتابات كثيرة. كانت معاصرة له ومحيت بمرور الزمن. وتعاليمه الأدبية والأخلاقية. لا يمكن أن يفوقها أي كتاب آخر في الوجود. وظل تأثيرها قوياً عبر التاريخ حياً وبارزاً في حياة الأفراد والمجتمعات، فحيثما ذهب الكتاب المقدس سار التقدم والاستنارة حتماً في ركابه.

لقد حاول أعداء المسيحية عبثاً أن يلاشوا الكتاب المقدس في حين كان اقتناء نسخة من هذا الكتاب جريمة خطيرة. مع ذلك آثر ألوف الناس أن يموتوا من أن يسلموا الكتاب الذي أحبوه، وكثيراً ما قامت السلطات المعادية بحرق الكتب المقدسة بالجملة. في محاولات طائشة للاستهزاء به وملاشاته. فعندما أصدر الإمبراطور دقليانوس الروماني أمراً بإعدام أي شخص يملك نسخة من الكتاب المقدس محاولاً بذلك أن يمحو المسيحية من الوجود. بلغ به الأمر أن أعدم نفراً من أهل بيته، لعدم تبليغهم عمن يملك نسخة باعتبار ذلك عملاً غير قانوني، وفاخر الإمبراطور بعد ذلك بعامين قائلاً: «لقد محوت محواً تاماً الكتاب المقدس» بعدها أتى الإمبراطور قسطنطين وقدم جائزة لكل من يقدم نسخة من الكتاب المقدس فقدمت إليه خمسون نسخة في خلال 24 ساعة.

هذا هو الكتاب الذي يبني عليه المسيحيون إيمانهم لأن له أهمية بالغة في حياتهم. وحياة كل مسيحي لأنه يعتبره كلمة الله والسلطان الوحيد لإيمانه. في الكتاب المقدس يجد إعلان محبة الله للبشر. وفي الكتاب المقدس يكتشف الوسائل للاقتراب إلى إله قدوس. وفي الكتاب المقدس يجد السبيل لحياة غنية. سعيدة. مشبعة.

وفي الحقيقة أن هذا الكتاب يبدو فريداً ليس بسبب الزمان الذي كتب فيه. إذ كتب في فترة زمنية تقدر بـ 1500 عام ولا بسبب الكتاب المتعددين الذين اشتركوا في كتابته في هذه الحقبة الطويلة من الزمان، بل لأنه أولاً وأخيراً ليس كتاب الإنسان بل كتاب الله.

وعلى كل حال فقبل أن يقبل الإنسان كتاباً يصرح عن ذاته، له الحق أن يطلب دليلاً أو برهاناً يؤيد صحة ذلك الكتاب. وسأقدم في الكلمات التالية الدليل الذي يشير إلى صحة هذا الكتاب وإلى حقه الصريح باعتباره كلمة الله. وأول هذه البراهين البرهان التاريخي:

لا يوجد كتاب يعادل الكتاب المقدس من هذه الناحية فمعظم الكتب يولفها شخص معين. تصلح لجيل معين. أما الكتاب المقدس فهو يشمل حقبة من الزمن تزيد عن أربعة آلاف سنة، واستغرقت كتابته ما يقارب الستة عشر قرناً واشترك في كتابته أربعون كاتباً من مختلف الطبقات والثقافات والبلاد.

إن كان الكتاب المقدس هو معجزة الأجيال في مصدره فهو أكثر إعجازاً في حفظه ورغم أن بعض هذه الوثائق الأصلية لهذه الأسفار قد فقد بعضها بمرور الزمن لكن نصوصها ظلت محفوظة في المخطوطات الأثرية وكتابات الآباء مما يُعتبر معجزة في حد ذاته.

لقد كانت خلال هذه الظروف كلها، يد العناية الإلهية تحفظ الكتاب المقدس من الفساد والتدمير. ومن دخول تعاليم غريبة تفسد قدسيته، وتحفظه من الضياع خلال عصور الاضطهاد والمقاومات مما يعتبر بحق معجزة أخرى.

في كل الكتاب المقدس لا يوجد سفر مستقل عن الآخر، بل أن كل سفر مرتبط بالأسفار التي تسبقه. إلى أن نصل إلى الحقيقة الأولى وهي {في البدء كان الكلمة} ولعل هذا يبدو مدهشاً إذا ما وضعنا في الاعتبار تعدد كتبة الأسفار والزمن الطويل الذي استغرقته كتابتها.

فليس تاريخ الكتاب من إنتاج عالم. أو مؤرخ. أو محرر نبيه اختار أهدافه ورسم مخططاته وأعطى لكل واحد مقداراً معيناً من هذه الخطة لينفذه. ثم كان له الفضل في تجميعها وربطها معاً.

ونأتي الى البرهان الثاني وهو برهان النبوة:

ولا شك أن هذا يُعتبر وحده معجزة في حد ذاته فالنبوة من أقوى البراهين على المصدر الإلهي الكتاب المقدس وسلطانه المقتدر هناك نبوات كثيرة في العهد القديم تحققت في العهد الجديد، وليس ذلك فقط بل أن العهد الجديد نفسه هو نبوة عظمى أكثر مما يتبادر إلى الذهن، وأهدافه النبوية تتمشى تماماً مع نبوات العهد القديم. ومهما حاول المنتقدون أن ينكروا عمق ما كتب فهذه النبوات تتحدى كل إنكار. ولا يمكن تجاهلها. مما يؤكد أن هذه النبوات هي كلمة الله دون أدنى شك.

وختاماً نأتي إلى كلمة مختصرة عن تأثير الكتاب المقدس. فهذا الكتاب هو بحق كلمة الله. والكتب الأخرى مهما سمت تخيب رجاء الإنسان وتقوده إلى الفشل. أما الكتاب المقدس فهو الرجاء الوحيد والفعّال لكل من خاب رجاءه. الكتب الأخرى تظهر ثم تتوارى وتختفي وراء ضلال النسيان، أما الكتاب المقدس فهو الكتاب الحي الذي يبقى معنا إلى الأبد، أم الذي لا يريد أن يؤمن بالكتاب المقدس والذي يأبى أن يفحص الدليل بعقل متفتح غير متحيز، يستطيع أن يجد حججاً كثيرة، تؤيد معتقده. لكنه على كل حال لا يستطيع أن يجد حجة حقيقية تصمد أمام فحص الكتاب المقدس، فلم يتعرض كتاب للفحص والتدقيق والهجمات المريرة كما تعرض الكتاب المقدس، ومع ذلك فقد خرج من كل هذه المعارك العنيفة أكثر ما يكون تزكية وأقوى ما يكون فاعلية، وأعظم ما يكون نصرة وغلبة ولا عجب فهو الكتاب الوحيد الذي لا يقهر لأنه يحمل في ثناياه البرهان الداخلي. وبرهان النبوة. على أنه هو كلمة الله. الكلمة الحية الفعالة إلى الأبد.